في سنواته الأولى يستخدم الطفل تكنيكاً معيناً في تعلم اللغة، ويتم ذلك من دون درايةٍ منه بقيمة ما يقوم به، يختار الاختصار أو الدمج حين يواجه الطول، يبحث عن النطق الأسهل حين يواجه ما يرى أنه صعب من المفردات؛ يندرج تحت هذا التكنيك (تكنيك يستخدمه معظم الأطفال ومر بأغلبية الأشخاص) خالقاً المعاناة الطريفة مع أسمائنا حين ينادينا الأطفال، إنك نادراً ما تجد شخصاً حصل على اسمه الصحيح - وأنا أولهم - حين يناديه الطفل. في ذلك إيحاء بأننا نحتاج معجما لغويا خاصا بمصطلحات وكلام الأطفال، ولكن الأمر برمته ليس كذلك؛ وإن أردنا فنحن لا نستطيع ولن نستطيع تحقيق وإنجاز هكذا معجم.. لأن كل طفل له تكنيكه الطريف الخاص به في صنع مفرداته الخاصة لتكوين المعجم الخاص به. أوسع تكنيك طفولي مستخدم في بدايات اكتساب اللغة عند الطفل هو تكنيك «الكلمة - الجملة» أي أنه يختصر حدثاً معيناً يحتاج إلى كلمات طويلة في كلمة واحدة فقط. «يَبِّدْ» مشيرةً إلى كوب الشاي أو «الشاهي» حين دعتني لشربه وقمت بوضعه على الأرض قاصدةً «يبرد»، لا أعرف أين أخفت «مريم» بنت أخي فيصل حرف الراء عني؛ الأكيد أنه في مكانٍ ما من هذا العالم عدا أن يكون معنا لحظتها. «يَبِّدْ» هذه الكلمة الطفولية التي تم فيها استخدام تكنيك (الكلمة - الجملة) والتي لو استنبطنا معناها لوجدناه: (إن تركت كوب الشاهي لوقت طويل على الأرض فهو حتماً سيبرد؛ اشربه أرجوك ياعمي)؛ كما يتضح من سياق الحدث وتصرفاتها أثناء توجيهها أوامرها لي، وما عليّ إلا الانسياق وتنفيذ أوامرها وشرب الشاي، على طريقة حسينوه -رحمه الله - وناصر القصبي، قبل أن «يَبِّدْ» ومع هذه الرشفة الخاطفة تقنعنا مريم - حفظها الله وأطال في عمرها وعمر والديها - أن: لغة الأطفال عالم جميل يُرْبِك القُبح في العالم.