في تصريح للرئيس ترمب بعد مصرع سليماني قال: "إيران لا تنتصر في الحرب ولكنها لا تخسر في المفاوضات" هذه الرسالة التي قالها "ترمب" تعطي إشارة على فهم ترمب وفريقه للفرس والإيرانيين وتاريخهم وأنهم لا يفوزون في الحروب بل يلجؤون للمفاوضات وبعض الطرق كتشكيل ودعم الأحزاب التي تقوم بحروب الوكالة كحزب الله وغيرهم. فما هو تاريخهم في هذا الجانب؟ بداية من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام عندما كانت حضارة الفرس قوية وشهيرة، أرسل النبي محمد رسالة إلى كسرى ملك الفرس. واختار الرسول عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه لحمل هذه الرسالة إلى كسرى. نص الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فاسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك"، ثم وصلت الرسالة إلى الملك كسرى وقام المترجم بترجمتها له فلما قرئت عليه أخذها ومزقها ورمى بها وقال كلاما لا يليق محاولا التقليل من شأن النبي عليه أفضل الصلوات والسلام. وعندما عاد عبدالله بن حذافة السهمي أبلغ رسول الله بخبر تمزيق الرسالة، ورد الرسول على خبر تمزيقها بهذا الجملة التاريخية الشهيرة "مزق الله ملكه". ولم يمضِ وقت طويل حتى حصلت ثورة ضد كسرى وحاشيته وتم قتله وتمزق حكمه. بعدها علم الناس أن دعوة الرسول تحققت بأمر الله. ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ" ومنذ ذلك التاريخ لم تقم للفرس قائمة. بل يشكلون الأحزاب والخلايا التابعة لهم خصوصاً في الدول العربية. ذلك لأنهم يهدفون إلى السيطرة الإقليمية. وما يؤكد ذلك الكلام أمران: الأول: خطبة خامنئي واستخدامه لكلمات وجمل باللغة العربية بعد مقتل سليماني، لأنه يهدف إلى توجيه رسائله إلى عملائه العرب في المنطقة. ثانياً: تصريح ابنة سليماني واستنجادها بنصر الله رئيس حزب الله وأذرع إيران في المنطقة للثأر ممن قتل أبيها. وهنا تساؤل: لماذا لم تستنجد بدولتها؟! هاتان الرسالتان دلالة على إيمانهم بأنهم لا يستطيعون خوض الحروب لأنهم يعرفون أن النصر بعيد عنهم، ولذلك يلجؤون لطرق أخرى مثل تشكيل ودعم الأحزاب والسير نحو مسار المفاوضات. وتأكيداً لهذا الأمر هو تلميح إيران حول الاتفاق النووي ومحاولة استئناف المفاوضات حوله رغم مقتل قائد كبير لديهم. الأميركان أذكياء جداً، ويعرفون كيف يتعاملون مع شعوب العالم والحكومات. وهنا أشير إلى الرئيس الأميركي توماس جيفرسون الذي قرأ القرآن ثلاث مرات كي يفهم طبيعة المسلمين. الرئيس الأميركي توماس جيفرسون الذي كان رئيس أميركا في الفترة من 1801م إلى العام 1809م ختم القرآن ثلاث مرات حتى حفظ الكثير من آياته، وكان يخاطب البعض ويدمج آيات القرآن في كلامه إلى درجة أن البعض ممن هم حول الرئيس جيفرسون ظنوا أنه مسلم من كثرة اطلاعه على القرآن وأحوال المسلمين! كان هدف قراءته للقرآن حتى يفهم طبيعة المسلمين كي يساعده ذلك في عملية الفهم والتواصل الصحيح معهم. هذا التحليل للرسائل الاتصالية يشير إلى كيفية فهم رؤساء الدول خصوصاً أميركا للشعوب وكيفية التخاطب معهم. الخطابات والتصريحات التي نسمعها أو نقرؤها ليست مجرد كلمات سياسية أو حربية فقط، بل غالباً تكون نابعة من فهم طبيعة وتاريخ وثقافة الأطراف الأخرى وتدعمها معطيات المرحلة.