سنن الله -عز وجل- هي قدر نافذ بأمر المولى -سبحانه-، ومن الفطنة والمنطق السليم -التي يغفل عنها بعض من أراد الله به سوءا-، استقراء حقائق السماء ومواثيق التاريخ التي تخص سياقا تاريخيا معينا، وفي هذا السياق استقرئ تذكيرا ما يخص الهوالك من تاريخ فارس التي أسقطها الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقد شاءت قدرة المولى -عز وجل- أن تكون لحظة ولادة النور الكوني الكبير الذي أحدثته ولادة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- هي لحظة خفوت نار كسرى من ضمن نواميس عدة حلت كنذير سوء لهذه الإمبراطورية التي تطاول بها الزمن، حيث سقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبري والبيهقي وغيرهما. أما في جزيرة العرب فكان هناك حدث تاريخي في غاية الأهمية، إذ هي ولادة سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن إشارات هلاك إمبراطورية فارس الآنفة الذكر حدثا أوحدا، بل ناظره في جزيرة العرب نور عظيم أضاء ليلها الدامس، وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها، حتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ونحن لا نعتب على جاهل، أما من يستقرئ الحدث القادم من شمال شرق جزيرة العرب منذ عام الفيل حتى إعلان الحزم وما بعده حتى اليوم؛ يعلم يقينا يبعث طمأنينة لمن أحب الله ورسوله ومن أحب المملكة العربية السعودية التي تمثل الوريث الشرعي للدولة الإسلامية الحقة في دستورها وتوجيهات قيادتها، أما من ارتأى مناوأة هذا الكيان فإن قراءة ذلك الحدث ستورث له هما على هم وحزنا على غم؛ لأنهم وببساطة سيتوضح لهم أن مولد الرسول كان إيذاناً بهلاك مملكة فارس، وقد أوضحت هذا سلفا، كما أن الرسالة النبوية لكسرى التي نقلها الصحابي الجليل عبدالله ابن حذافه السهمي كانت دعوة لهم فانقلبت دعوة عليهم، فدعا الحبيب المصطفى على كسرى حين هداه شيطانه لتمزيق الخطاب النبوي، فدعا عليه سيدي رسول الله (مزق الله ملكه)، وهكذا كان ويجب أن يقرأ هذا التمزيق وعدم التمكين قراءة عقل من قبل الفرس اليوم لا قراءة عاطفة، وعليهم القراءة الدقيقة للثقة الإلهية التي يتحدث بها سيد الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم حين قال لسراقة ابن مالك: «كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه، فقال سراقة: كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله: نعم» وعليهم من باب الوجوب والعقل إن كان بهم بقية من عقل كتم حنق نفوسهم على الإسلام وأهله، الذي وصل بهم إلى درجات مخزية حين استهدفت إيران وذنبهم بشار ضريح الصحابي الجليل والقائد الأعظم خالد بن الوليد -رضي الله عنه وأرضاه- بمدينة حمص، الذي توالت على قبره الطاهر الهجمات بالقذائف وزخّات الرصاص، عقاباً لبلاءاته الحسنة في التاريخ العربي الإسلامي المُشرق، كإلحاقه الهزيمة النكراء ب «هُرْمُز المجوسي» وإذلاله بمعركة «ذات السلاسل» ويسير المجوس في هذا على خُطى الجنرال الصليبي «هنري غورو» وقوله «قد عدنا يا صلاح الدين» وهو يركل قبر هذا القائد الفذ بعد دخول قوّاته المسجد الأموي بدمشق. ولا غرو في ذلك، فكبيرهم الذي علمهم الفحش، كسرى، حاول أن يعتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- ويأتي به إلىه ليقتله، فكتب كسرى لعامله في اليمن أن يرسل شخصين من رجاله إلى الحجاز؛ ليأتوه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً، فدخل الرجلان على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالا له: إن كسرى أمرنا أن تنطلق معنا إليه، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلقياه غداً، وبينما هم في تلك الليلة إذ كان من شأن شيرويه ابن كسرى أن يقتل أباه ويأخذ ملكه، فلما جاء الرجلان في اليوم التالي قال لهما النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ ربِّي قَتَلَ رَبَّكَ، وإن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى»، فعاد الرجلان إلى اليمن، فأسلم عامل كسرى في اليمن لهذه المعجزة ومن في معيته. وفي هذا بيان تاريخي معلن لنصرة دين الله، بل إن بشائر زوال فارس كانت متوالية، فلما كان يوم بدر ظهرت الرّوم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: «الم، غُلِبَتِ الرُّومُ» إلى قوله: «يَفْرَحُ الْمُؤْمِنونَ بِنَصْرِ اللَّهِ»، ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس، وفيها إن أبا بكر -رضي الله عنه- قاول قوماً من أهل مكة على أن الروم تغلب فارس فغلبت الروم فارس ومعلوم أن الصراع الدولي في وقته عليه الصلاة والسلام كان بين فارس والروم، ولم يكن يخص المسلمين شيء منه، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته كانوا حريصين على هزيمة فارس في هذه الحرب العالمية، وانتصار الروم؛ لأنهم أهل كتاب على أقل تقدير. تلك بعض من نذر كونية نستقرئها ونحمد لحكيمنا ومليكنا سلمان بن عبدالعزيز الذي أعلن حزما، ثم درءا لرؤوس الفتنة، ثم حجبا للعلاقات، لأنه -وبإذن ربه- منصور بنصر الله ورسوله ما دامت الأرض والسماء.