في لندن بالسبعينات شاهدت فيلم الرسالة، إخراج المخرج الشهير عمر العقاد، كان فيلماً رائعاً، عبر عما كنا نتمنى أن يعرفه المشاهد الغربي عن بداية الدعوة المحمدية والتحديات التي واجهها رسول الله عليه الصلاة والسلام وأتباعها لتبليغ رسالته، أثار إعجابنا أيضاً الممثلون خاصة منى واصف وعبدالله غيث. كان فيلماً مثالياً، قاد نجاحه الكبير إلى إنتاج فيلم آخر عن عمر المختار المناضل الليبي. وقعت قبل عدة أيام على مجموعة من الأفلام القديمة الشهيرة ومن بينها فيلم الرسالة، دفعني الشوق إلى مشاهدته، قررت أن أرى ما الذي حدث لي في هذا الزمان الطويل. السينما ذوق وفن وتجربة مشاهدة وثقافة، التقدم في العمر يغير في هذه الحساسيات، لا يمكن أن يكون ذوق الإنسان في العشرين هو نفس ذوقه في الخمسين أو الستين، لا يبقى إحساسه على ما كان عليه بعد أن عبر كل هذه الأزمنة، شاهد أفلاماً وقرأ كتباً كثيرة، واصطدم بتجارب سعيدة وتعيسة، وتغير العالم من حوله، وتبدلت كثير من قناعات الشباب وفترت الحماسة بعد أن أوشك وقودها على النضوب. لا يربط المرء بجماليات ماضيه سوى الحنين للأيام الخوالي، يشتغل الحنين بقوة مع الموسيقى، تطرب للموسيقات القديمة، لكن لا يمكن أن تطرب للمواد السردية بنفس العاطفة، السينما صورة والصورة مرتبطة بالكاميرا والكاميرات تتطور بشكل كبير، والحوار يتطور مع تطور المعرفة، وعيك بالموضوع المطروح في المادة السردية ينضج، بهذه الحمولة من التغييرات الذهنية والثقافية والمعرفية شاهدت فيلم الرسالة قبل عدة أيام. شاهدت فيلماً مختلفاً عن الفيلم الذي شاهدته في السبعينات، ما شاهدته في السبعينات كان فيلماً إبداعياً، وما شاهدته قبل عدة أيام كان فيلماً بسيطاً، رغم أهمية الأسماء التي كتبت الحوار والسيناريو وعلى رأسهم توفيق الحكيم إلا أن الحوار برؤيتي اليوم كان مباشراً موجهاً لا يخدم مضمون الفيلم ولا يخدم الفن. المشاهد الغربي آنذاك يختلف عن المشاهد العربي آنذاك من وجهين، معظم المشاهدين الغربيين غير مسلمين، لا يوجد بينهم وبين مادة الفيلم تعاطف مباشر. الشيء الثاني كان يفترض في الفيلم أن يأخذ في الاعتبار تجربة الإنسان الغربي السينمائية، يمتلك الإنسان الغربي تجربة طويلة في مشاهدة الأفلام وبالتالي لا يمكن تمرير رسالة فنية عبر رسالة دينية إلا لأصحاب الديانة نفسها. لا أقول هذا الكلام من باب اللوم أو النقد، مات كل من يعنيه هذا الكلام من الزاوية النقدية، مجرد ذكريات وجدانية، حديثي أقرب إلى بحث فيما يجري داخل الإنسان من تغير عبر الأزمنة، تجربتي مع فيلم الرسالة يمكن أن تكون تجربتك مع فيلم آخر مع كتاب مع أفكار مع حبيب. تجربة مهمة يحسن بقارئي الكريم أن يجربها لكي يكتشف نفسه عبر الزمن.