لماذا لم تنتحر؟ سؤال بهذا الثقل بأي ظرف يكون منطقيا؟ كانت البداية عندما وجد كاتبنا نفسه في معسكرات الاعتقال متجرداً من كل شيء، بعد ما تم إعدام أسرته بأفران الغاز. في معزل عن العالم الخارجي، إنسان تم مصادرة حريته وبتر العائلة من حياته للأبد، يتجرع الفقد والخوف مصاحبا شبح الموت الذي يطل كل ساعة. إنسان بتلك الظروف لماذا يكمل هذه المعاناة؟ كيف له أن يجد معنى لحياته؟ يحكي لنا الطبيب النفسي فيكتور فرانكل أحد الناجين من معسكرات الموت تجربته التي آلت به إلى تأسيس العلاج بالمعنى. كيف أجد معنى لحياتي؟ قد يكون الجواب واضحًا بديهيًا لنا كمؤمنين، فالإيمان بدين أو معتقد ما يوفر للفرد الكثير من الإجابات، لكن عندما نتبادل زوايا النظر مع إنسان غير مؤمن يمر بحالة العدمية متجرداً من كل شيء إنساني، مأخوذاً بالظروف القاسية، فمن المهم أن يكون لنا ذلك المعنى. والمعنى يختلف من شخص لآخر، فالمعنى للبقاء عند البعض كان الحب الذي يربط الشخص بأبنائه أو ما يملك من العلم ليعطيه، وفي حياة البعض كانت الذكريات التي تستحق البقاء لبعض الوقت لكي لا تُنسى من بعدهم. ومثل ما قدم الدكتور جوردن أوليوت الكتاب «تتمثل محاولة المعالجة بالمعنى في أن ينسج هذه الخطوط الواهية في الحياة المحطمة نموذجًا محكمًا من المعنى والمسئولية، وهذة غاية العلاج بالعنى وتحدياته». حدثنا كاتبنا عن حالة أسماها (فقدان القدرة على السرور) وهي حالة تصيب السجين بعد الإفراج عنه. ذكر على إثرها موقفا حصل عند اجتماعهم بعد الإفراج عنهم، فقد همس أحدهم لصاحبه: «قل لي، هل كنت مسرورا اليوم؟» وفي خجل أجاب: «لا»، لقد فقدوا الإحساس بالسرور، وعليهم تعلم هذه المشاعر من جديد، وليس هذا ما يرافق المفرج عنهم فقط بل تأتي حالة الشهية الزائدة والكلام الكثير، وحالة أسماها (نمط غريب من المرح) ويصف فيها الإنسان الذي تتحطم أمامه جميع الأوهام ويخسر كل شيء كان مؤمنا فيه ليعتريه «إحساس مروع بالفكاهة» وشرحها بأنها حل يلجأ إليه عقل الإنسان لاستزراع الفكاهة كوسيلة للوقاية. فإن معركة السجين لا تنتهي عند الإفراج عنه فأمامه طريق طويل مليء بالعقبات وتقلبات النفسية (من حرب الأعصاب إلى السلام العقلي)، ومن الخطأ أن نظن أن السجين المفرج عنه لا يحتاج إلى رعاية معنوية أكثر من السابق، «فالضغط استبعد على حين فجأة تماما، فهم الآن يعتقدون أن من حقهم استخدام حريتهم من دون قيود، وهم الآن مكان القامعين بدلا من المقموعين، ويبررون سلوكهم بخبراتهم البشعة».