التوحيد هو الذي أرسلت من أجله الرسل وأنزلت من أجله الكتب "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ"، وعبادة الله وحده هي الحكمة من خلق العباد "ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، والعباد فقراء إلى الله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"، وتوحيد الله وإفراده بالعبادة هو سبيل النجاة وطريق المتمسك به إلى الجنة، والمتأمل في العصور السالفة وما قصه الله تعالى في كتابه عن دعوة الرسل عليهم السلام يظهر له أن عماد دعوتهم على هذا الأصل العظيم، والكتابة عن التوحيد وفضله وآثاره لا يحدها حرف مقال ولا ضرب مثال؛ ولكن الذي نريد أن نصل إليه كأثر من آثار التوحيد وأهل التوحيد أولى به هو الوحدة والألفة والاجتماع، فالموحدون أولى بذلك، فإنهم على الحق المبين بتوحيد رب العالمين يتحدوا عليه ويفروا إليه "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ"، وقد جمع الله قلوب الأوس والخزرج بعد عداوتهم وقتالهم لمّا جاء الإسلام ودخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانا متحابين "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا". إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى الوحدة والاتحاد في مواجهة كيد الأعداء وشرهم ومكرهم، وقد ظهر ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، وهذا الحديث والإخبار منه - صلى الله عليه وسلم - يحكي واقعا نعيشه اليوم آل إلى ضعف المسلمين وتسلط الأعداء عليهم. إن الحرب على الإسلام والمسلمين لا تحقق نتائجها إلا بتفريق المسلمين وإشعال نار الفتنة بينهم حتى يتفرقوا شيعا وأحزابا فيسهل على العدو البطش بهم وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. الموحدون المؤمنون بالله واليوم الآخر إذا اتحدوا تكسرت أمام جبال صمودهم ووحدتهم واجتماعهم جحافل الأعداء ونفت الشرار من داخلها كما ينفي الكير خبث الحديد، فلن يستطيع الإسلام وأهله أن يبنوا مشروعا في مواجهة العدو والحفاظ على الأصول والقيم والثوابت وتعزيز الأخلاق وتمسك المسلمين بشرع الله والرجوع إلى الوحيين لن يستطيعوا ذلك إلا أن يجتمعوا فيضعف مكر الماكرين وتفشل مخططاتهم وتعود للإسلام قوته وعزته، وللمسلمين مكانتهم بالتمسك بالدين والعودة إلى القيم والإنابة إلى الله من كل ذنب والاستقامة على صراطه المستقيم، فاللهم وحد صفنا، واجمع كلمتنا على الخير والهدى، واهدنا الصراط المستقيم.