تعلم أن يلمس الأشياء كما تلمس الفراشة ورقات الزهور، تحلق فوقها وحينما تشم الحياة بها، تقبل عليها لتلفها حول جناحيها فتتوحد معها كما لم تر يوماً زهوراً بذات الحكايات، بذلك الشغف وهبنا أشهر الفنانين المصابين بإعاقة في العالم أجمل ما لديهم، ليقفزوا فوق الحواجز العالية، ويصنعوا لنا «فناً» يتكلم بكل الحواس التي لا يعرف منها المبصر سوى شكلها، فيما يتوحد معها بكامل تفاصيلها من يفقدها، من يعيش عنها، فيتكلم عنها، ويسمع عنها، ويشعر عنها، ويركض عنها، ويبصر عنها، فيحول الحياة إلى عالم يضج بالفن والجمال والدهشة التي تقرأ وتسمع من القلب. بجميع تلك الموهبة عاش أشهر الفنانون المصابون بإعاقة، ليمتعوا أرواحنا بفنهم الذي عاش حياة أطول من حياتنا، لم تكن الإعاقة حاجزاً أمام القفز وتخطي صعوبات العجز، إنما كانت جاذبة لإبداعاتهم الفنية التي وصلتنا، ولطالما عشنا معها أجمل الفنون التي تسمع، والتي تشاهد، وأيضا تقرأ.. هكذا قدم لنا المغني والشاعر «ستيفن وندر» الكفيف الأشهر في الولاياتالمتحدة الأميركية والذي دفعته إعاقته لأن يتحول لأشهر مطرب على أرض وطنه، فيما منحتنا» فريدا كاهلو» ذات الشغف حينما أصرت أن تتخطى إعاقتها بورقة وقلم صنعت من آلامها ألواناً تحس وترى، فيما حلق بنا العازف الأشهر على البيانو» راي تشارلز» فوق سلم المقطوعات الموسيقية التي ربطت حواسنا بالأفق، وفعل»طه حسين» ذات الشيء حينما كان يكتب لنا الحياة وهو أعمى لم يلمس منها سوى ما استطاع أن يراه بقلبه، وهناك لطالما أصر «سيد مكاوي» أن يلتقط من العتمة التي كان يراها « ضوء «الحب والإحساس الجميل، وأيضاً فعل الفنان القصير القامة «محمد عيد» أشهر أقزام السينما المصرية أن يدخل بقامته القصيرة أطول الأبواب المفتوحة على الإبداع والتشويق. جميعهم منحونا حياة لا تشبه كثيرًا تلك الحياة التي نراها، حياة تلتقط عنا الأحلام من دون أن تملك الحواس التي تدفعها لتتحسس جميع التفاصيل، لكنها لها عيون واسعة تتذوق الجمال، وأذن تصغي لدبيب الفصول حينما تدور، فيما أمسكت يداها المبتورتان بأرواحنا لترمي بنا في ذلك الفن الذي يتكلم ويشعر بروح لا تشبع من الحياة، ومن الحب والعمل، أناس لم يتوقفوا أمام العجز الذي سكن أجسادهم وبقيت إرادتهم تمنحنا الجمال الفني الذي أمتع بنا الذائقة التي ارتقت وكثيرًا ما تعلمت منهم أجمل ما يمكن أن يسمع أو يشاهد في عالم الفنون.. الفنون التي بات عليها أن تقدم الفرص لمن يستحقها حتى ولو بنصف قدم أو بيد مبتورة. طه حسين الذي رأى قلبه ما لم تره عيناه