مع أن السياسة علم وفنّ إلا أن فهمها وسبر أغوارها يتطلب قدرات ومهارات تفوق ما يُكتب وما يُمارس. ومما يلخص علم السياسة مقولة الزعيم البريطاني تشرشل حينما لاحظ كثرة تنقل بعض أعضاء الأحزاب من حزب إلى آخر. يقول تشرشل: بعض الرجال يغيرون أحزابهم لمصلحة المبادئ التي يؤمنون بها وآخرون يغيرون مبادئهم لتخدمهم أحزابهم. مع بداية وضوح تعقيدات التنافس السياسي في الولاياتالمتحدة مع نهاية الحرب العالميّة الأولى ظهرت كتابات تؤسس لعلم السياسة بمفهومه الميكافيلي وفق قواعد منفعيّة. وكان من أهم الكتب التي رصدت تلك الحقبة كتاب Politics: Who Gets What, When, How? لعالم الاتصال والسياسة والاجتماع الأمريكي "هارولد لاسويل" الذي نشره في عام 1936. حاول لاسويل في هذا العمل المزاوجة بين المبادئ والمصالح والمجتمع إلا أن قناعته بأن النخبة هم من يملكون السلطة والتأثير كانت الأوضح. وحيث يضع علم السياسة الغربي قواعد العمل السياسي المثالي في الحريّة والدستور وعلمانيّة الدولة والمساواة بين سكانها إلا أن الممارسات أدت إلى تقليص مفهوم الحريّة في حزبين أو ثلاثة في كل دولة كبرى ورأينا كيف تدار كبرى الأحزاب بشكل متوارث من مصالح وعائلات اقتصاديّة تتحكم بالقوت اليومي للناس. أمّا الدستور فللحيل القانونيّة مداها الكبير في التحايل على مواد الدستور خاصة إذا كان للجريمة بعد أو طرف سياسي. وبخصوص علمانيّة الدولة والمساواة بين أعراقها وطوائفها فيكفي أن نرصد شعارات وممارسات أحزاب اليمين في أوروبا، لنكتشف أن الدين (المسيحي) والعرق (الأبيض) بطاقة انتخابيّة ذهبيّة تحمل صاحبها إلى قمة المناصب والمكاسب. وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما تفرضه السياسة في عالم اليوم إلا أن القراءة بمثاليّة أخلاقيّة للقرارات والمبادرات السياسيّة لن تقدم لك سوى المزيد من عدم الفهم بل والإحباط في كثير من الأحيان. وحتى تفهم أو تتفهّم السياسة ومحركاتها عليك أولاً ألا تقرأ القرار السياسي أو التوجّه وفق المبدأ الأخلاقي الصرف. ولعل هذا ما تعنيه المقولة الأمريكيّة الشائعة عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي: يوجد بيننا العديد من أصحاب المبادئ في كلا الحزبين ولكن لا يوجد حزب ذي مبدأ في بلادنا. * قال ومضى: في كتاب العمر كم من صفحة مزّقناها وكم من حرف يمزّقنا كل يوم!