شهدت الساحة العربية عمومًا، ومنطقة الخليج تحديدًا، أزمات متتالية ومتعاقبة استهدفت بنية النظام العربي الإقليمي وأصابته في الصميم، ودفعت ببعض دوله إلى أتون الحروب والدمار. هذه الأزمات خلقت، وما زالت، تحديات بالغة الخطورة فيما يتصل بتفكك المجتمعات، ونشر الفوضى والحروب الأهلية التي استنفدت مقدرات هذه الدول، وأثرت في مكتسبات شعوبها. ولعل أوضح مثال على هذه التحديات، أنّ ليبيا أصبحت ساحة مفتوحة للحروب الأهلية، ولا يختلف عن ذلك الوضعُ في سورية واليمن؛ حيث تفاقمت الأحداث، وأصبح العبث الإيراني جزءًا من سياسة طهران في زعزعة استقرار هذه الدول، من خلال التدخلات السافرة، وزرع الفتن البغيضة، والاستقواء بالميليشيات العسكرية التي تدعمها بلا حدود، وتدين لها أيديولوجيًا ومذهبيًا . إيران تعمل منذ أربعين عامًا؛ أي منذ استيلاء الملالي على مقاليد الحكم في طهران، على خلق الأزمات في المنطقة ونشر نفوذها وتغلغلها في الدول العربية، وهو أمر صرّح به مسؤولون إيرانيون تباهوا بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، ومن المؤكد أنهم يطمعون في المزيد! هذه التحديات ليست غريبة على دول الجوار كالمملكة، فالتاريخ السعودي يحكي قصص انقضاض هذه الدول كلما رأوا السعودية دولة إقليمية قوية ورائدة واقتصادها يزدهر، ويستتبُّ الأمن في ربوعها، وترفع راية الإسلام عاليًا، وتؤمن بوحدة المصير العربي؛ نظرًا لكونها جزءًا لا يتجزأ من الكيان العربي الكبير، الذي يرتكز على القيم والتوافقات العربية من جانب، وعلى رؤية مستقلة لكل دولة في إدارة شؤونها بحرية من جانب آخر . قيام الدولة السعودية الأولى عكس واقعًا جديدًا في المنطقة وقتذاك؛ حيث كانت دولة إسلامية النهج، عربية المتطلبات والطموح، وأنها ضد التدخلات والهيمنة الأجنبية على الشعوب العربية. وقد ذكر الكاتب أحمد عسه في كتابه «معجزة فوق الرمال"، أنّ الحملة بقيادة إبراهيم باشا والموجهة من الدولة العثمانية كان هدفها القضاء على أول محاولة عربية جادة للتخلص من السيطرة العثمانية والهيمنة الأجنبية . لقد أسهمت هذه الحملة في تهيئة الظروف المناسبة للقوى الأجنبية الأخرى ومطامعها في المنطقة، وخصوصًا بريطانيا التي أسرعت لملء الفراغ الذي نجم عن زوال أقوى دولة في المنطقة، إلا أنه سرعان ما استجمعت الدولة السعودية قواها، ولم تتردد الدولة السعودية الثانية في التصدي لكل المخططات الهادفة إلى فرض الهيمنة الأجنبية على أراضي العرب. وما أن أشرقت الدولة السعودية الثالثة، باستعادة الملك المؤسس لعاصمة أجداده الرياض، حتى سطع اسمها في سماء العالم؛ حيث تمّ إرساء دعائم المملكة الفتية على المبادئ الإسلامية والتراث العربي وشرعية القضايا التي تواجهها الأمة، وضرورة التعاون الدولي بما يخدم مصالح المملكة الوطنية كدولة عربية إسلامية . إنّ ما تملكه المملكة من شرعية ومكانة دولية رائدة وقيادة واعية هو ما يقضّ مضاجع الملالي، ويجعلهم يتخبطون بتصرفاتهم، ويشنون الحملات الإعلامية والهجمات الإرهابية من خلال أذرعهم المأجورة، مثل المتمردين الحوثيين في اليمن سواء عبر الطائرات المسيّرة، أو عبر إطلاق الصواريخ الآتية من طهران. وتمثل الحقد الإيراني، بأبشع صوره، في تأمين القدرات العسكرية لشن الهجوم الإرهابي على منشآت النفط في شركة أرامكو في بقيق السبت الماضي، الرابع عشر من سبتمبر الجاري، من أجل استهداف إمدادات النفط للأسواق العالمية، ما نتج عنه توقف نحو 50 في المئة من إنتاج الشركة. وقد دعت المملكة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في إدانة من يقف وراء هذا العمل الإرهابي، والتصدي بوضوح لهذه الأعمال الهمجية، كما وصفها بيان وزارة الخارجية السعودية. وأكد البيان أنّ المملكة قادرة على الدفاع عن أراضيها وشعبها، والرد بقوة على تلك الاعتداءات . ورغم محاولة إيران التملص من هذا العمل الإرهابي، والزعم بأنها ليست وراء هذا الهجوم، إلا أنّ بصماتها لا تخطئها أي عين فاحصة، وينبغي تحميلها تداعيات هذا العمل الجبان. وقد جزم وزير الخارجية الأميركية بوقوف إيران وراء هذا الحادث الإرهابي، كما اتهم إيران بالوقوف وراء نحو 100 هجوم على السعودية. مجابهة إيران، لا تتم إلا بإرادة دولية فاعلة لردع هذه الدولة المارقة، خصوصًا أنّ الهجمات الأخيرة على «أرامكو» تعد سابقة خطيرة وتحولًا وانعطافًا مدويًا في مجرى الصراع والعلاقات الإقليمية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية، فضلًا عن كونه يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط برمته. فبعد الإقرار بوقوف طهران وراء 100 اعتداء على السعودية، ماذا ينتظر المجتمع الدولي كي يثني قادة طهران عن جرّ المنطقة إلى الجحيم؟!