الشاعر راشد الخلاوي يعد من كبار الشعراء (توفي 1010ه) تقريبا، وهو غني عن التعريف، اشتهر بكل قصائده سواء ما جاء في الوصية أو الفلك أو الحكمة.. ومن ميزات الشاعر الشخصية التي تروى عنه المصداقية، كما أن البيت الواحد من راشد الخلاوي يعد قصيدة كاملة في معانيه، ومما يستعذب من سيرته التي يرويها كبار السن الصدق في ما يخبر عنه، واهتمامه بذلك وتجنبه الكذب، فلم يرو عنه موقف كذب فيه حتى ولو من باب الظن بأنه كذب، ولم تشوه سيرته بشيء من التقليل في شخصه أو شعره أو مكانته، وإنما العكس هو الصحيح، فعندما يذكر راشد الخلاوي تذكر الشهامة والمروءة والمصداقية والاحترام والترحم عليه، وقد حرص على أن يترحم عليه، نسأل الله له الرحمة، حيث يقول: مثايل لا بد الروى تستفيدها لا أمسى غريم الروح للروح صايد لعل الذي يروونها يذكروني (بترحيمة تودع عظامي جدايد) أما ما يروى عن سيرته في مجتمعه من المصداقية، فقد تأكدت بفشل كل محاولات الإيقاع به ولو مرة واحدة في الكذب. من ذلك أنه مر بنزل من البادية على طريقه فلما رأوه عرفوا كالعادة أن أهل البلد القادم إليهم سيسألونه عنهم، وهذه عادة تتكرر مع كل مسافر حيث يسأل المقيمون عن أحوال الطريق بكل ما حوله. فقام أهل النزل بالرحيل الظاهري (شديد) وربط الأغراض وبيوت الشعر على المطايا، يوحون للناظر أنهم بالفعل شدوا وارتحلوا من المكان. وعندما أبعد رجعوا إلى أماكنهم وضربوا بيوتهم وكأن شيئا لم يكن. وعندما وصل إلى أهل البلد سألوه عنهم فقال: "شدوا ولا مدوا، ورأي البدو بدواة" والمعنى واضح أنهم لم يتحركوا، والرأي متغير قد يعودون كما كانوا. أما المحاولة الأخرى، فهي عندما حل ضيفا على أحد البيوت قدمت له صاحبة البيت عصيدة قليلة جدا، وهو جائع، تريده أن يجاملها ويقول: شبعت بعدما ينتهي، لكنه بعدما انتهى قالت له: كل يا راشد، أو شبعت؟ قال: "لا أكلت خير ولا أسورت خير"، والسؤر هو البقية. وتكررت محاولة الإيقاع به في الكذب، عندما سألوه عن روضة مر بها في طريقه، فوصفها لهم على أنها خضراء معشبة، ولكنهم عندما رأوها لم يجدوا لخضرتها أثر فقد مر الجراد بها وأكلها تماما، والجراد يسمى تهامي ربما لأنه يأتي من ناحية الغرب مارا بتهامة. ومع أنهم يرون مخلفات الجراد ويعلمون أن راشد الخلاوي صادق في خبره إلا أنهم ولو من باب العناد قالوا إن هذه كذبة، لكنه كشف عن جزء منها كان قد احتاط للأمر وغطاه تحسبا لأي عارض فلم تنجح محاولة تكذيبه أيضا. وقد قال في شعره: أصاب الحيا يامير عقبي وقبلكم تهامية نحيا بعيد مديدها إلى نزلت في منزل امحلت به وتالد ويظهر من تراب وليدها أما الموقف الآخر فهو ما قام به بعضهم من طلاء ناقة بمادة تطلى بها الإبل التي أصابها الجرب كالقطران مثلا أو غيره من السموم التي يظهر لها على الجسم أثر ظاهر يتبين للناظر من بعيد أن فيها جرب، لكي ينقل الخبر على غير حقيقته. وعندما غاب عنهم أزالوا كل شيء، وعندما سئل عن ذلك وصف الناقة بالوصف الظاهر ولم يقل إنها جرباء. وراشد الخلاوي قد تعود في حياته التحمل، فهو صبور يميل إلى خشونة العيش، يقول في أبيات له: يا كثر ما وسدت راسي كتادة أخاف لا يعتاد لين الوسايد ومن عود العين الرقاد تعودت ومن عود العين المساري تعاود ناصر الحميضي