يقاس وعي الشعوب في التزامها بتطبيق المبادئ والأنظمة التي تساهم في رقي المجتمعات والتي تنتج عنها سلوكيات مثالية ينعكس أثرها على جميع النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن تختلف الطرق في بناء وترسيخ ثقافة مجتمعية بين الطرق المباشرة وغير المباشرة والتي نسلط الضوء عليها في هذ الموضوع .. "السلطة" ذكر مستشار نظم العقل والاتصال البشري الدكتور فيصل خالد الغريب أن الثقافة المجتمعية تعتمد بشكل عام على عدة عوامل منها الدين، فالعقائد تحدد أطراً عامة للنماذج العقلية، والإسلام على سبيل المثال يحث على العلم والثقافة والاطلاع والاستكشاف والابتكار والاختراع في كافة جوانب الحياة والحضارة، والنصوص الشرعية في هذا بينة ظاهرة، في حين أن بعض العقائد المنحرفة تدعو إلى الرهبنة والتوقع والتواكل دون حسن التوكل، ولهذا تأثير على الأنماط العقلية كافة، كذلك ذكر الغريب أن السلطة "الدولة" هي أحد العوامل المؤثرة في بناء الثقافة المجتمعية حيث إنها تشكل دور المجتمع بشكل مباشر وغير مباشر، عبر التنظيم والتشريعات التي تعزز السلوك الثقافي وتوجهاته، ويكمن دور السلطة في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع لكونها ركيزة أساسية لتحقيق التماسك، حيث إن الغزو الثقافي يمكنه إضعافها بشكل تدريجي، وضياع الهوية الثقافية ضياع للمجتمع. تراث الأمم مكون أساسي لحاضرها "الموروث" واستطرد الغريب في مؤثرات الثقافة وذكر منها الموروث التاريخي وقال: تعتمد الشعوب في ثقافتها على عامل الموروث التاريخي للأجيال ويرتسم هذا في الذاكرة العميقة من جيل إلى جيل عبر التناقل السلوكي اللاواعي، ولهذا الموروث حماته في العادة، وغالباً ما يتم توثيقه بالتدوين التاريخي للشعوب، بالإضافة إلى أن الإعلام من أهم عوامل التأثير في الثقافة فهو عامل توليد وبناء على مستوى اللاوعي في مجال المستقبلات العقلية، ما يعني قوة وتأثيراً بالغين على الشعوب، ما لم يتعارض مع القيم العليا للمجتمع، ولهذا العنصر تعددات يضيق المقام عن تفصيلها. "القانون" وعن المقارنة بين تأثير الحملات التوعوية والرسائل الإعلامية وبين سن القوانين في تغيير ثقافة المجتمع ذكر الغريب أن الحملات المباشرة عادة لا تؤتي ثمارها، وأنه ينبغي أن تخاطب الحملات في تغيير المفاهيم السلبية مستويات أعمق، ما لم يكن التغيير على مستوى القيم والمعتقدات المدعومة بالدين الصحيح، فهذا المستوى أثبت التاريخ عدم القدرة على اختراقه، وأما الجانب الآخر فإن القانون المنضوي تحت الشريعة يمكنه ضبط السلوك الظاهري للأفراد والمجموعات داخل المجتمع، وهو لا يؤثر البتة على مستوى القيم والمعتقدات وهي ذات المستوى الأعمق في التشكيل الثقافي. التعليم أسهل الطرق والعقوبة أسرعها "التعليم" ولخّص الغريب على أن فرض القانون هو الأسرع، ولكنه يخضع في شدته إلى ما يشبه قانون (لكل فعل رد فعل ..) وهو يعمل في مستويي البيئة والسلوك، بينما التعليم سيكون خيراً منه للمجتمع لكونه سيكون على مستوى أعمق هو مستوى المهارات والقدرات، في حين أن الإعلام سيصل إلى الهدف بشكل مباشر على المستويات الأكثر عمقاً، والمهم في هذا كله، أن يتوافق هذا التغيير الثقافي مع مبادئ التطوير نحو الأفضل وألا يكون محاكاة لا منطقية لمجتمعات أخرى لا تنسجم مع القيم والمعتقدات ذات الثبات والسمو، فهذه المحاكاة يمكنها وبكل بساطة خلق نموذج ثقافي ثالث بالغ التشوه. "التوعية" ومن جهته قال المحامي محمد الرشيد إن ثقافة تعزيز توعية المجتمع ترتكز على جناحين مهمين إحداهما الحملات التوعية التي تقام من قبل الدولة أو من كيانات المجتمع المدني كالتوعية بالذوق العام والتوعية المرورية والتحرش وغيرها من حملات التوعية ظاهرة اجتماعية متنامية ومطلوبة، إذ تمثل خطوة أساسية لتعزيز الوعي العام مما تزيد من مستوى الوعي في المجتمع، فضلاً عن رفع المستوى الثقافي مما يساهم في تحديث المجتمع وتقبله للأفكار والأنماط السلوكية الحديثة ويدعم تنمية المجتمع، كما أن لحملات التوعية دوراً كبيراً فى الحد من السلوكيات الخاطئة فحملات التوعية أساسية لتغيير الثقافات السلبية وفرض الإيجابيات بمختلف المجتمعات. "الأنظمة" وأكد الرشيد أنه في الغالب لن تحقق الحملات التوعوية نجاحاً إلا في ظل وجود الجناح الثاني وهو القانون وسن الأنظمة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وبتزايد أعداد الأفراد في المجتمعات احتاجت هذه العلاقات إلى مبادئ وقوانين تحكمُها للمحافظةِ عليها بشكلِها السليم، لذلك كان لا بدّ من وجودِ القانونِ في المجتمع، فالقانون هو عبارةٌ عن مجموعةِ القواعدِ والأنظمة التي تُطبّقُ على جميعِ أفراد المجتمع لصونِ حقوقِهم والمحافظةِ عليها، وترتبطُ القوانينُ بتطبيق العقوبةِ في حالِ مخالفتِها، ومن أهداف وجود القوانين تنظيمُ وتهذيب سلوك أفراد المجتمع، وليس التضييقَ عليهم، ومن جهة أخرى لا بد أن تواكب القوانين التطوّر بمراجعتها من فترة لفترة، لتتواكبَ مع متطلّباتِ العصر للمحافظة على القيم الاجتماعيّة التي تنتشرُ بين الأفراد، ومنعُ ضياعِها أو تحريفِها، فالحملات التوعية والأنظمة جناحين لمجتمع مثقف واع. "التواصل" وترى الكاتبة هدى الغامدي أهمية حملات التوعية للمجتمع وقالت: بتنا نرى في السنوات الأخيرة الكثير من الحملات التوعوية إذ أصبح لها دور كبير ومؤثر في المجتمعات مما تسهم غالبا في الحد من العادات الضارة وكثير من المشكلات المتأصلة والمستحدثة، فحملات التوعية أساسية لتغيير الثقافات السلبية وفرض الإيجابيات بمختلف المجتمعات، ولكي تحقق الحملات التوعوية الثقافية العامة النجاح المطلوب وتصبح إيجابية لا بد من مراعاة عدة عوامل، كتحديد التوقيت المناسب لإطلاقها وتحديد الجمهور المراد الوصول إليه تحديداً دقيقاً ليس من الناحية الجغرافية فحسب بل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعمرية ويساعد هذا التحديد في اختيار مضمون الرسالة وقنوات الاتصال المناسبة كما يجب إجراء بحوث ودراسات للحملة قبيل إطلاقها وخلال فترة تنفيذها لتقييم أدائها والتعرف على المشكلات التي تعوق استمرارها ونجاحها وكذلك محاولة القضاء على المشكلات بإيجاد الحلول المناسبة لها فإذا لم يتم تحديد الهدف مع عدم وضوح الرسالة فلن تحقق الحملة النجاح المطلوب. "العقوبات" وتضيف الغامدي: المجتمع بطبيعة اختلاف البشر ونتيجة لتنوع ثقافاتهم ومرجعياتهم وطريقة حياتهم يمارسون العديد من العادات السيئة التي تؤثر تأثيرا كبيرا على المجتمع فبعضهم لا تجدي معه حملات توعوية أو تثقيفية بل يعتبرونها هدرا للمال وضياعا للوقت، فهؤلاء تسن لهم القوانين الرادعة التي لن يوقفهم عن الاستمرار في سلوكياتهم السلبية إلا القوانين وهنا على سبيل المثال احترام إشارات المرور، فكم كنا نسمع عن عشرات حالات قطع الإشارات المرورية قبل إدخال نظام ساهر ولكن بعد تطبيق النظام وفرض الغرامات انخفضت الحالات انخفاضا كبيرا وملحوظا، وهنا أجد أن ليس كل المجتمعات يجب أن يكون بها سن قوانين رادعة لتطبيق النظام فهناك مجتمعات تؤثر فيها الحملات التوعوية تأثيرا كبيرا وهناك مجتمعات كثيرة النظام فيها متوارثا عبر الأجيال من جيل إلى آخر وهناك مجتمعات لن ينصلح أمرها إلا بسن القوانين وفرض العقوبات الرادعة على مخالفي الأنظمة. ظاهرة التجمهر بانتظار عقوبة حملات التوعية تساهم في التحضر هدى الغامدي محمد الرشيد د. فيصل الغريب