أكَّد عددٌ من خبراء الاجتماع والقانونيين أهميَّة المزاوجة بين الرقابة الذاتيَّة والعقوبات الصارمة لضبط السلوكيَّات المخالفة لبعض الأفراد في المجتمع، والتي تمثِّل مخالفةً صريحةً للأنظمة، مشيرين إلى أن البعض عندما تختفي عنهم «الرادارات»، والحملات الرقابيَّة تزداد مخالفاتهم السلوكيَّة، والمروريَّة، وضربوا مثالاً لذلك موسم السفر بتغيُّر السلوكيَّات الخاطئة إلى إيجابيَّة بمجرد ركوب الطائرة، التي تقلُّ المواطن العربي لمطارات دول متقدِّمة، وصارمة في تطبيق الأنظمة مثل أمريكا وأوروبا، حيث يلتزم بأدقِّ التَّعليمات من عدم التدخين في الأماكن العامَّة، وعدم استخدام بوق السيارات، واحترام عادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه وغيرها. رأي شرعي: تحقيق القدوة في المجتمع مسؤولية المسلم يقول فضيلة الشيخ صالح بن محمد الجبري: يأتي خراب الحياة الاجتماعية، من خراب المفاهيم التي تسود فيها، ومن المفاهيم الفاسدة أن يقال: إن الحياة غابة، وإنها صراع بين القوي والضعيف، إن الاتجاه نحو عدم الالتزام بأحكام الإسلام والقانون والنظام، وعدم احترام حقوق الآخرين نجدها عند الكثيرين بغض النظر عن العمر والمنصب والحالة الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى التعليم، وفي ظل هذا المفهوم، لم يكن مستنكرًا أن يوصف الطفل الشقي الذي يعتدي على الآخرين بالشيطان على سبيل المدح مع ما يمثله الشيطان من رمزيه لكل شر، وأن يتفاخر الطالب أمام إخوانه بأنه غش في الامتحان، وضحك على المراقبين، بينما ينظر إليه زملاؤه بإعجاب واحترام، أو يتباهى موظف ما بأنه حصل على وظيفته بالواسطة، وأنه لا يقوم بعمل شيء في هذه الوظيفة، ويحصل في مقابل ذلك على راتب مجز، إنه تغليب لمفهوم: «إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب» إنه قانون الغاب الذي يفترس فيه بعضنا بعضًا، كلما سنحت الفرصة دونما رادع أخلاقي ولا مراعاة لحقوق الآخرين. فسلوك الإنسان يجب ألا يحكمه الحرص والطمع والنزوع نحو تحقيق المصالح الشخصية والمادية المؤقتة الفانية، وإنما يجب أن يكون سلوكه وفق منهج الله في الأرض، فلا يحشر نفسه في زمرة أهل البغي والظلم والعدوان، ولا مع المستكبرين والمفسدين، ولا يكون عونًا لهم، ولا يتكالب على الدنيا بقصد جمعها، ولو على حساب الآخرين، بل هو على النقيض من ذلك تمامًا يقف مع المظلوم ضد ظالمه، ومع الضعيف ضد القوي. حتى في وجود المسلم في المجتمعات غير المسلمة، فالحال نفسه، فلا يكون ذئبًا أيضًا، بل هو أكثر التزامًا بالقيم والأخلاق لذا، فقد أسلم كثير من شعوب الأرض على أيدي تجار المسلمين عندما رأوا أخلاقهم الرفيعة. فالمؤمن يجب أن يحمل إسلامه أينما ذهب، وأن يكون قدوة للناس في فعل الخيرات، وترك المنكرات، فإذا ما رأوه أحبوا الإسلام من خلاله. قانوني: القانون لمواجهة القافزين فوق النظام أوضح المحامي والمستشارُ القانونيُّ خالد المحمادي، أنَّ ضبط سلوك أفراد المجتمع من القضايا الشائكة والطويلة، وبيَّن أنَّها تمثِّل ثقافة «ما هو لك، وما هو عليك داخل المجتمع»، وقال: «هناك ثقافة عند المجتمع في تطوير السلوك، وهذا لم يكن موجودًا في السابق، والجيل الجديد سيكون بخلاف ما له وما عليه، فمن مسببات عدم التقييد بالأنظمة والضوابط في المجتمع عدم تطبيق العقوبات والغرامات المناسبة في حقِّ المخالفين، أو القافزين فوق النظام، وسوف تجد أن هناك تفاوتًا في الأحكام والقرارات القانونيَّة، ومن خلال الرؤية 2030 سيكون هناك العديد من الردع، وسيتم الإعلان عنها، وهذا سيخفف كثيرًا من التجاوزات السلوكيَّة» واستطرد: «أيضًا سينمي استشعار الفرد بالمسؤوليَّة الذاتيَّة تجاه الحفاظ على المقدرات والمكتسبات الوطنيَّة، إضافة إلى أهميَّة أن يكون هناك مطالبات بالتوعية القانونيَّة، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة». اجتماعي: لا بد من استغلال الإعلام الجديد لضبط انفلات سلوكيات المجتمع يشير باسم الشيخي -ملتقى شباب مكة- والناشط الاجتماعي، إلى أنَّ تحسين وضبط السلوك جاء من خلال أوامر خاتم المرسلين سيدنا محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي أتى متممًا لمكارم الأخلاق، حيث حثَّ على الرقيِّ الإنسانيِّ والتَّعامل الحضاريِّ بين أفراد المجتمع، ومع المجتمعات الأخرى، فمن الناحية الاجتماعيَّة نجد أن علماء الاجتماع غالبًا ما يرجعون أسباب الانفلات في ضبط السلوك لأفراد المجتمع إلى البيئة، ومن ناحية التنشئة الاجتماعيَّة والتربية داخل إطار الأسرة، لذلك يجب على المربين (الأسرة - المدرسة - الإعلام) القيام بدورهم الصحيح في التنشئة السليمة التي هي في الأصل أخلاق إسلاميَّة حضاريَّة لرقيِّ البشريَّة. أما من ناحية عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة إلاَّ إذا سافر الفرد خارج البلاد، فيرجع ذلك إلى الجهات الرقابيَّة في الدول العربيَّة بشكلٍ عامٍّ، خصوصًا في عدم، أو ضعف تطبيق الغرامات الماليَّة، فهي أشبه ما تكون (شدَّة وتزول) بمعنى أنَّها مؤقَّتةٌ، ليست دائمةً، وليست صارمةً، بل تدخل المجاملات. ويضيف: «بالنظر إلى الدول الغربيَّة التي يعتبرها الشبابُ -كما صوَّرها الإعلام- (أنَّها بلادُ الضبط والتحضُّر)، وهي بالفعل كذلك من حيث تطبيق الأنظمة بلا محاباة أو مجاملة، ومنذ نشأة الطفل يتعلَّم الضوابط، وحقوقه، وواجباته في المدرسة والمنزل، فتصبح أفعاله نظاميَّةً». وشدَّد على أنَّ للإعلام دورًا كبيرًا في ترسيخ المفاهيم الصحيحة، وتحسين الصورة الذهنيَّة للإنسان دون أي استخفاف واستهتار، فهي مرآة للمجتمع، كما أنَّه ينبغي الاستفادة من شبكات التَّواصل الاجتماعيِّ في الوصول للشباب والقرب منهم، وتقديم المبادرات والأنشطة التي تتمُّ بمشاركتهم. أمني: العقوبات حدت من ارتفاع معدلات الحوادث والوفيات أوضح قائدُ أمن المواكب والناطقُ الرسميُّ للمرور العقيد طارق الربيعان، أنَّ الالتزام بالأنظمة من شأنه الحفاظ على سلامة الأفراد في المجتمع، وصون حقوقهم، وحقهم العام، إضافة إلى أمر مهمٍّ جدًّا، وهو سلامة الأرواح، والممتلكات، ومقدرات الوطن، مشيرًا إلى أنَّ إدارة المرور، وهي المعنيَّة بهذا الأمر الحيوي تواجه الكثير من الانتقادات في جانب تطبيق الأنظمة والعقوبات الماليَّة على المخالفين لنظام المرور العام بالمملكة، فتجد مَن ينتقد ويقول: إنَّ المرور ليس له إلاَّ الغرامات، وتسجيل المخالفات على الأفراد في المجتمع، وفي المقابل تجد نفس الشخص ينتقد إدارة المرور على عدم تطبيق النظام في موقع آخر، ويقول: أين رجلُ المرور؟ ولماذا لا يطبِّق الغرامات في حقِّ المخالفين لنظام الوقوف العام في المرافق العامَّة والشوارع الرئيسة المزدحمة؟ وأجاب: «نحن بدورنا نعمل من أجل صون وحماية أرواح وحقوق سائقي المركبات جميعًا، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، ونحاول زرع الثقافة المروريَّة لدى أفراد المجتمع، ونحاول أيضًا توضيح الجانب الإيجابي في فرض النظام وتطبيق العقوبة في حقِّ مَن يقفز على النظام، ويتعدَّى على حقوق الآخرين من مرتادي الطرقات، إلاَّ أنَّ هذه الجهود بحاجة ماسَّة إلى تكاتف الجهود، وتضمينها في المناهج الدراسيَّة، وأيضًا في التربية للنشء منذ الطفولة. وأوضح العقيدُ الربيعان أنَّ العقوبات التي تمَّ تطبيقها في السنوات الأخيرة في حق المخالفين لنظام المرور والسلامة العامَّة في الطريق حدَّت بشكلٍ لافتٍ من تصاعد عدد الحوادث والوفيات، إضافة لعدد المخالفات سواء السرعة الجنونيَّة، أو التفحيط ونحو ذلك. وأضاف: إنَّ الأنظمة الإلكترونيَّة، والتطبيقات التي يعمل من خلالها المرور، مثل نظام باشر، أو الربط الإلكتروني حدَّت بشكلٍ كبيرٍ من السلبيات والمتاعب التي يواجهها رجل المرور، وكذلك مكَّنت من رصد المخالفات، وتوقيع العقوبات في حق المخالفين. خبير إعلام: الخلل في تطبيق الأنظمة وراء عدم الانضباط يرى أستاذُ الإعلام والاتِّصال بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور شارع بن مزيد البقمي، أنَّ الرقابة الذاتيَّة، أو الالتزام بالأنظمة والقوانين، هي في الحقيقة حالة ثقافيَّة تعتمد بالدرجة الأولى على ثقافة المجتمع، ومدى تنمية تلك الثقافة في التعليم، والمنزل، والحياة اليومية، ويرافق ذلك قوانين وعقوبات صارمة لكلِّ مخالفٍ ومستهترٍ بالقانون المروريِّ: «لذلك ما نشاهده في بعض المجتمعات يمثِّل خللاً في تطبيق الأنظمة، وعدم قناعة الأفراد بتطبيق الجزاء بشكلٍ دقيقٍ، كما يفتقد المجتمع إلى التوعية الإعلاميَّة، وتنمية الحسِّ الوطنيِّ في الالتزام بالنظام والقانون المروري». وأضاف: «أرى أن هذا الأمر يحتاج إلى حملة وطنيَّة للتوعية المروريَّة، فما نشاهده من مخالفات لقواعد السلامة المروريَّة، والحوادث المستمرة يضرُّ بالمجتمع والجيل، والصورة الذهنيَّة للمواطن السعوديِّ، على أن يعقب ذلك نظام صارم لكلِّ مَن يخالف الأنظمة المروريَّة، ولنجاح تطبيق النظام المروري هو خصخصة الجهات القائمة على تطبيق الأنظمة والقوانين المروريَّة، واستخدام التقنية المتطوِّرة في ذلك، وهناك أمثلة حيَّة على ذلك في دول أوروبا، بل دول خليجيَّة مجاورة، ونرى كيف تطبِّق قواعد السلامة المروريَّة على أكمل وجه، وبشكلٍ حضاريٍّ يحفظُ حقوقَ الجميع في الطريق، وفي الحياة العامَّة للمجتمع، ويعطي الزائر لتلك البلاد انطباعًا بتقدم البلد والوعي العالي لدى الشعب». أكاديمي: الالتزام بالنظام ينطلق من الثقافة والقناعة الذاتية يقول وكيلُ كليَّة الدِّراسات القضائيَّة والأنظمة بجامعة أم القرى الأستاذ الدكتور علي بن يوسف خميس الزهراني: هذه السلوكيات وليدة أمرين: الأول يتمحور في الالتزام الذاتي للفرد في المجتمع، وقناعاته الذاتيَّة بغض النظر عن البقعة المكانيَّة، أو الزمانيَّة، والأمر الآخر هو الثقافة العامَّة، وهذه متولَّدة من قوة النظام، حيث نشاهد الأفراد الملتزمين بالنظام في البلدان الأخرى يستمدون هذا السلوك الإيجابي والحضاري من خلال ثقافتهم العامَّة، والقناعات الذاتيَّة بأهميَّة تطبيق النظام، حتَّى أصبح الالتزام مستقرًا في نفوسهم، وأصبح ثقافةً عامَّةً، وثقافةَ مجتمع كامل. وأبان أن هناك بعضَ الضعف في تطبيق الأنظمة وفرض العقوبات على المخالفين، أو القافزين على النظام، موضِّحًا أنَّه قبل أن يكون هناك ضعف وانفصام في سلوكيَّات بعض الناس، مثلاً عدم الالتزام بالسرعة القانونيَّة، أو رمي المخلَّفات في عرض الطريق العام، أو التَّدخين في الأماكن العامَّة، أو الدوائر الحكوميَّة، رغم وجود نظام واضح ومباشر لمنع مثل هذه السلوكيَّات. وشدَّد على عامل التربية لتقويم سلوك الأفراد، وأيضًا الثقافة، فيما يخص الجانب المعرفي، والثقافة المجتمعيَّة، بالإضافة لعامل الالتزام بالسلوك الدِّيني، وتطبيقه على أرض الواقع، فالدِّينُ الإسلاميُّ الحنيفُ مبنيٌّ على الالتزام، سواء في المواعيد، أو الصلوات، أو التعاملات، أو النظافة. اختصاصي نفسي: الجميع يعاني من آثار السلوكيات الخاطئة أكد الدكتور هاني الغامدي -المحلل النفسي والمتخصص في الدراسات النفسيَّة والمجتمعيَّة- أنَّ الحضارات تُبنى من خلال نجاعة وسلامة سلوك الأفراد في هذا المجتمع أو ذاك، وبالتالي نرى كثيرًا من الصور الإيجابيَّة التي تؤكِّد أنَّ هناك حضارةً متقدِّمةً لسلوكات أفراد المجتمع بتطبيق النظام؛ كونه الأساس في التفاعلات التشاركيَّة بين أفراد المجتمع، مجتمعات إيجابيَّة تطبِّق النظام، وقال: إنَّ ذلك يعطي دلالة بأنَّ هناك رقيًّا في الفكر يعطي كلَّ ذي حقِّ حقَّه، فحينما تكون هناك بعض التجاوزات من قِبل الأفراد في النظام، أو السلوك، إنَّما هو يدللُ على أنَّ هناك عدم وجود وعي، حسب ما هو عليه السلوك الظاهر أمام أفراد المجتمع في أي دولة. وقال: إنَّ الأمثلة موجودة وبقوِّة في المملكة بأنَّ المقيم يتماشى مع السلوكيَّات الظاهرة لأفراد المجتمع، وبالتالي يتأسى هذا المقيم بالمواطنين، وهذا أيضًا ينسحب للأفراد عندما يسافرون للخارج، فتجدهم يلتزمون بالسلوكيَّات والضوابط، وهذا الأمر بحاجة لتعضيد أفراد المجتمع بتدعيم السلوكيَّات الصحيحة، وهذا لا يتمُّ إلاَّ بعد إطلاق منظومة من الحملات التوعويَّة، سواء من خلال التعليم العام، أو التربية المنزليَّة، أو من خلال المواقع الإلكترونيَّة. ومن جانب العقوبات أكَّد أنَّها تأتي بعد ترسيخ الثقافة والتعليم والتدريب، وفي هذا الزخم من الانفلات السلوكي لا بدَّ أن نبدأ من اليوم، فالسرعة في الشوارع، تمَّ ضبطها بشكلٍ لافتٍ من خلال فرض العقوبات المغلَّظة، من خلال نظام ساهر على سبيل المثال لا الحصر.