تحمل قصص التراث العديد من القصص، التي تعكس أهمية وتأثير الثقافة المحلية على سلوك المجتمع.. حتى إنك لا تستطيع أن تميز السلوك الصحيح من الخاطئ، إلا من خلال ما يقبله المجتمع أو يرفضه في إطار ثقافته. ونتيجة لهذه البيئة ومفاهيمها توجد شعوب مسلمة تمارس الغش والسرقة والكذب يوميا دون الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير؛ لأنها اصبحت ثقافة تعيشها الأجيال ويترعرعون في كنفها، وفي الجانب الآخر تجد شعوباً تتحلى بأعلى قيم الصدق والأمانة واحترام النظام دون أن تكون مسلمة أو متدينة، وفي رواية من قطعوا الطريق وسرقوا القافلة عندما استجداهم أهل القافلة، طلبوا منهم استعطاف قائدهم، وقالوا لهم: إنه صائم ومستريح تحت الشجرة، تصوير واضح لتأثير الثقافة على المجتمع وممارساته، حتى أصبحت السرقة لا تتنافى مع أخلاقيات وسلوكيات المجتمع، بل قد تصبح هذه الممارسات نموذج رجولة وتفاخر. إن قيم المجتمع هي الأساس الذي يرتقي بالمجتمع ويرفعه الى مستوى الإنسانية الحقيقية، فاليوم ونحن نجلد ذاتنا صباح مساء في قضايا الفساد والغش والكذب والرشوة، يجب أن نعترف أننا لا نتحدث عن ظاهرة بل أصبحت ثقافة متجذرة في المجتمع، ويصعب اجتثاثها بالنظام والعقوبات فقط، بل يجب أن تكون لدينا حملات وطنية هادفة لتغيير وتصحيح هذه المفاهيم وتجريمها في الذات، وبناء الأجيال القادمة على الشعور بفساد هذه الممارسات والمفاهيم ورفضها. إننا نعجب من الموظف الذي يأخذ الرشوة ويبيع ذمته عندما نجده يصلي في المسجد، ويعتمر كل رمضان دون شعور بتأنيب الضمير، ونتعجب ممن يكذب ويعلم أولاده على الكذب؛ للحصول على منحة أو إعانة أو قرض أو راتب دون وجه حق، ونجده يصلي ويصوم. والأدهى أن تجد البعض يتفاخرون ويتنافسون في مقدار العمالة التي كفلوها وأطلقوها تسرح وتمرح دون حرج، وشاركوها دخلها وتستروا عليها. إن هذه السلوكيات والممارسات ترسخ مفاهيم وثقافة سلبية، تؤثر في مجتمعنا وتقوده للانحدار ... إننا بحاجة الى تصحيح ثقافتنا ومفاهيمنا والارتقاء بها، ونبذ الممارسات السلبية ومحاربة الفساد من خلال توعية المجتمع وترغيبه في الممارسات الخلاقة التي يدعو لها ديننا. إن محاربة الفساد والرشوة والكذب والغش، تحتاج تغيير الإنسان من الداخل قبل تجريمه من الخارج، نحتاج الى نماذج وقدوة من التاريخ إن لم نجد من الحاضر، نحتاج إلى دعاة يهتمون بهذه الأخلاقيات والتركيز عليها، إن نهضة أي أمة وتقدمها لا يمكن أن تتحقق تحت مظلة الفساد. إنها دعوة مفتوحة للجهات المعنية بالاهتمام بالجانب التوعوي والتثقيفي؛ لمحاربة الفساد والانحطاط الأخلاقي، من خلال عمل حملات إعلامية مدفوعة وفق دراسات علمية، لتغيير الثقافات الخاطئة وتعزيز الممارسات السليمة في البيت والمدرسة والشارع والعمل، لنربي جيلا يرفض الفساد وينبذ أهله. لذا فإن هيئة النزاهة لو وجهت على الأقل نصف جهدها ومواردها للجانب التوعوي من خلال الإعلام والعلماء والمدرسة والجامعة، ومن خلال برامج الأطفال ومسلسلات الكبار؛ لكان أجدى وأعمق تأثيرا من العمل الميداني وحده. والله الموفق. Bassamboodai