يشتد حزم قيادة المملكة يوماً بعد يوم لمواجهة الفساد بشتى أنواعه ومجالاته وفرض المحاسبة والمساءلة على الجميع دون حصانة لأحد، وكان آخر هذا الحزم توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز باعتماد تشكيل لجنة إشرافية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ومدير عام المباحث الإدارية، لتتولى اتخاذ جميع الوسائل والآليات اللازمة لتحقيق النزاهة، والقضاء على الفساد المالي والإداري، ومتابعة كل ما يتصل بذلك، بما يكفل سرعة البت في قضايا الفساد، والرفع بتقارير للمقام الكريم عما يتم بهذا الشأن أولاً بأول، ولا شك أن هذا يبرز استمرار القيادة في حماية النزاهة ومكافحة الفساد. ويعالج هذا التوجيه الملكي المعوقات التي كانت تمنع وتؤثر في مهام أجهزة الرقابة مثل ديوان المراقبة وهيئة الرقابة والتحقيق وكذلك هيئة مكافحة الفساد وحماية النزاهة، فكثيراً وحسب تقاريرها السنوي التي تنشرها "الرياض" ترجع الأجهزة المعنية الصعوبات التي تحول دون أداء مهامها إلى عدم تعاون القطاعات الحكومية المشمولة برقابته معها وعدم تمكينها من ممارسة عملها، وتجاهل الوزراء والمسوؤلين ببعض الجهات لملحوظات الرقابة وعدم محاسبة المقصرين إضافة إلى شكوى تلك الأجهزة من تأخر وتعثر أنظمتها، واستمرار ذلك عام تلو آخر، وتشكو هيئة مكافحة الفساد عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع تزويد الهيئة بالمعلومات والوثائق التي تطلبها خلال مدة الثلاثين يوماً، واقتصار الصلاحيات المتعلقة بالضبط على التحقيق من البلاغات المتعلقة بجرائم الفساد والتحري عن حالاتها في المشروعات، وعدم قدرتها على إيقاع أي تدابير احترازية أو تحفظية بشكل مباشر، وتأخر البت في قضايا الفساد لدى الجهات التحقيقية والقضائية، وعدم استجابة مؤسسة النقد لطلبات الهيئة بشأن الكشف عن حركة حسابات الأشخاص المشتبه بارتكابهم الجريمة من جرائم الفساد، وأيضاً عدم حصولها على نسخ من الأحكام النهائية الصادرة في قضايا الفساد، وأشارت تقارير أداء سنوية متواترة إلى جهل بعض الجهات واجبها تجاه استراتيجية مكافحة الفساد واعتبرت هيئة مكافحة الفساد من معوقات عملها، اقتصار الفقرة الثانية من مادة تنظميها على التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود، وأيضاً عدم إقرار عقوبة التشهير، وعدم تمكنها من نشر ما يتم اكتشافه من حالات فساد، كما لم يتضح حتى الآن لبعض الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة الدور التنفيذي المطلوب منها تجاه الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. ومن المعوقات البارزة التي تضمنتها تقارير أداء ديوان المراقبة السنوية والتي مضى على إنشائه نصف قرن وقد حوت التقارير استمرار العديد من المعوقات وفي مقدمتها عدم تجاوب بعض الجهات المشمولة برقابتهما وقد أكدت تقارير للديوان امتناع جهات كلياً من التعاون معه وعدم تفهمها لأدواره والمهام التي يقوم بها، فعلى سبيل المثال، لم يمكن ديوان المراقبة من إنشائه قبل نحو 50 سنة بفحص حسابات البنوك التي تساهم فيها الدولة بنسبة 25 % بالرغم من أنها تقع ضمن اختصاصه، وكذلك استمرار وزارة المالية في عدم تمكين الديوان من فحص مستندات الحساب الختامي للدولة ميدانياً، وعدم إطلاع المسؤول الأول على المخالفات المرصودة، والاكتفاء برد الإدارات المخالفة، ما يؤدي إلى عدم معالجة المخالفات وتكرارها، وعدّ الديوان غياب مبادئ المساءلة ومن ثم المحاسبة من أهم المعوقات التي تواجه قطاع الرقابة بالمملكة ومن ذلك عدم قيام بعض الوزراء والمسؤولين بتنفيذ ما يطلبه الديوان فيما يخص إجراء التحقيق في الملحوظات والمخالفات المرصودة وهو حسب الديوان ما يؤدي إلى تعطيل تسوية المخالفات ومجازاة المسؤولين عنها، كما أدى تكرار عدم الالتزام بتطبيق الجزاءات على المخالفين، إلى الحد من هيبة ديوان المراقبة. وفي محاولات جادة تكرر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عبر تقاريرها المطالبة بإيجاد آلية نظامية لتحديد المسؤول في الجهة المعنية بملحوظاتها عن عدم الرد عليها وعلى استفساراتها لإخضاعه للمساءلة النظامية، واشتكت أكثر من مرة من عدم اكتمال وضعها التنظيمي بسبب عدم صدور الموافقة السامية على اللوائح التنفيذية التي رفعتها للمقام السامي، كما طالبت الهيئة بمنحها صلاحية الضبط، مثل أخذ إفادات ذوي العلاقة في الوقائع التي تباشرها وتنطوي على فساد، وتحريز الوثائق والمستندات المتعلقة بتلك الوقائع، ومنحها صلاحية اتخاذ التدابير الاحترازية والإجراءات التحفظية في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد في الوقائع التي تباشرها الهيئة وإلزام الجهات المعنية إنفاذ ذلك. وضمنت الهيئة تقريرها مقترحاً بإلزام الجهات المشرفة على النشاطات المالية والنقدية والمصرفية للاستجابة الفورية لما تطلبه الهيئة وتمكينها من الاطلاع على الحسابات البنكية والممتلكات العقارية وغيرها من الممتلكات لمن توافرت أدلة على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد ومنحها التحري عن مختلف الممارسات المنطوية على فساد مالي أو إداري الجهات المشمولة باختصاصاتها والاستعانة بالجهات المختصة واتخاذ الاجراءات اللازمة لذلك، واقترحت الهيئة عبر تقارير الأداء السنوية توسيع نطاق الجهات المشمولة باختصاصاتها لتكون الجهات العامة في الدولة والشركات التي تملك حصصاً فيها والشركات المساهمة العامة والمؤسسات والجمعيات الأهلية ذات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني، والشركات والمؤسسات الخاصة المتعاقدة مع جهات مشمولة باختصاصات الهيئة في نطاق تعاقدها، وكل شخص طبيعي أو اعتباري شارك أو ساعد أو حرض على جريمة من الجرائم المنصوص عليها في تنظيمها، وطالبت الهيئة مجدداً بإقرار عقوبة التشهير في القضايا والجرائم المتعلقة بالفساد والصادر فيها أحكاماً نهائية مكتسبة لصفة القطعية، وإلزام الجهات المشمولة باختصاصاتها بالإفصاح والإبلاغ الفوري عن حالات الفساد التي تكتشفها بحكم الاختصاص والإفصاح عن كافة المعلومات والوثائق والمستندات المتعلقة بها وإنشاء قاعدة بيانات تقنية مشتركة بين الجهات الرقابية. من ناحيته، تنبه مجلس الشورى مبكراً لمعالجات الأجهزة المناط بها مراقبة الأداء الإداري والمالي للملحوظات التي ترصدها وتكشف خلالها عن مخالفات صريحة وغير مباشرة لأنظمة الدولة المالية والإدارية والرقابية، فقدم خلال ما يزيد عن عقد من الزمان العشرات من القرارات التي تساند أجهزة الرقابة في متابعة ورقابة مشروعات الدولة، وصبت قراراته في مواجهة الفساد بشتى أنواعه ورفع إلى خادم الحرمين الشريفين ما يراه لمعالجة معوقات القطاعات الرقابية التي تواجهها أثناء أداء مهامها، وطالب مؤسسة النقد بالكشف عن حسابات المشتبه بارتكابهم جرائم فساد ودعا الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية الذين يرفضون التحقيق في الفساد إلى الاستجابة مع ديوان المراقبة وهيئتي الرقابة ومكافحة الفساد وتمكينها من ممارسة عملها وإجراء التحقيق في المخالفات وأوجه الفساد التي تحيلها إليهم، مما يدخل ضمن صلاحياتهم، وشدد المجلس على تزويدها الفوري بما تطلبه من معلومات ووثائق لمنع إفلات أشخاص وأموال من المحاسبة بسبب رفض تدابير الرقابة التحفظية والاحترازية، كما طالب بتسريع البت قضايا الفساد لدى جهات التحقيق، مؤكداً أن طبيعة جرائم الفساد وتشابكها يتطلب سرعة إنهاء إجراءات التحقيق لمنع المفسدين من إخفاء جرائمهم والتصرف بما حصلوا عليه من أموال دون وجه حق، والعبث بالأدلة وضياعها، كما تضمنت قرارات الشورى تمكين منتسبي الأجهزة الرقابية من تأدية مهامها في الجهات المشمولة باختصاصاتها التي تمنعها من تأدية مهامها، أو عدم تزويدهم بما يطلبونه من وثائق وأوراق أو نسخ منها، لتتبع حالات الفساد، وجمع الأدلة حوله، بحجة السرية وعدم كشف المعلومات. وشددت قرارات الشورى المتواترة على منح ديوان المراقبة العامة الاستقلال المالي ليناسب توجه الدولة في الإصلاح الشامل وطالب من الأجهزة الرقابية تقريراً مفصلاً بالجهات التي تتجاهل ملاحظات المراقبة وكشف حجم مخالفاتها كما حذر بعض الجهات الحكومية من عدم التعاون والرد على ديوان المراقبة وهيئة مكافحة الفساد والكشف عن الإجراءات التي اتخذتها لتحصيل المبالغ التي أبديت ملحوظات بشأنها كما دعا إلى امتداد الرقابة ليشمل مراقبة تنفيذ الخطط والبرامج والاستراتيجيات خاصة التي انعكاسات كبيرة على رفاهية المواطن وخصصت لها الدولة اعتمادات مالية كبيرة. وفي محاولة لردع الجهات التي تتجاهل الملاحظات الرقابية، طالب الشورى بمعلومات تفصيلية عن الجهات غير المتعاونة التي لا تلتزم بالرد على ملحوظات الديوان وهيئتي الرقابة ومكافحة الفساد مع تحديد حجم ونوعية المخالفة، وتضمينها لتقاريرها السنوية المقبلة، ليتسنى للمجلس من خلال لجانه المختصة ممارسة دوره الرقابي على الجهات التي لديها مخالفات ولا تستجيب لملحوظات الرقابة ومساءلة تلك الجهات، ونادى المجلس بتوسيع نطاق الرقابة على الأداء لتشمل الخطط والبرامج والاستراتيجيات لجميع الجهات الحكومية للتحقق من أن تلك الجهات قد استخدمت الموارد المالية والبشرية في الأنشطة والمهام المنوطة بها بأعلى قدر من الكفاءة والفعالية والاقتصادية، وطالب الشورى بتشكيل لجنة عليا لوضع حلول عاجلة لمعالجة المعوقات التي تحول دون إحداث أو تفعيل وحدات المراجعة الداخلية في الجهات المشمولة برقابة ديوان المراقبة، والرد على الملحوظات التي تكتشفها الأجهزة الرقابية مثل الإهمال وتعثر المشروعات، وإحالة بعض الوزراء ورؤساء الجهات لملحوظات الهيئة إلى المسؤول أو الإدارة أو الفرع الذي وقعت فيه المخالفة، للرد عليها، ثم يحيلون الرد دون إبداء مرئياتهم، مما يبقي على المخالفات ويحول دون تصحيح الأوضاع الناشئة عنها، ويمنع سد ثغرات الفساد، ودعا المجلس هيئة الرقابة إلى أن تتجاوز بملحوظاتها على الأجهزة المشمولة برقابتها إلى مرحلة التحليل وتقصي أسباب المخالفات التي تقع فيها هذه الأجهزة، والتأكد من متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من المقام السامي وتفعليها بدلاً من الاكتفاء بالرصد لتلك المخالفات، واستهدفت قرارات مجلس الشورى زيادة قوة هيئة مكافحة الفساد الوطنية ومنحها صلاحيات أكبر فمن قرارات الشورى مطالبة هيئة مكافحة الفساد بدراسة واقع الفساد في القطاع الخاص، خاصة في القطاعات المصرفية والتمويلية والتأمين والمقاولات، ومدى تأثيره على القطاع العام، وحث المجلس الهيئة التركيز على مسببات الفساد ومعالجتها وإجراء الدراسات المسحية لجميع الظواهر واقتراح الحلول الإدارية والنظامية.