أرجعت التقارير الرقابية للأجهزة المعنية، الصعوبات التي تحول دون أداء مهامها، إلى عدم تعاون القطاعات الحكومية المشمولة برقابته معها، وعدم تمكينها من ممارسة عملها، وتجاهل الوزراء والمسؤولين ببعض الجهات لملحوظات الرقابة، وعدم محاسبة المقصرين، إضافة إلى شكوى تلك الأجهزة من تأخر وتعثر أنظمتها، واستمرار ذلك عاما تلو آخر. ديوان المراقبة الذي تم إنشاؤه وهيئة الرقابة في عام واحد "1391"، لازال ينتظر صدور نظامه المطوّر الذي مر على رفعه للمقام السامي 20 عاماً، وصدر بشأن إصداره سبعة قرارات سابقة لمجلس الشورى - الذراع التشريعي الرقابي للدولة -، لكن وحتى تقرير الأداء السنوي للعام المالي 36 1437 للديوان ونظامه المطور لم يعتمد. وزراء يرفضون التحقيق بمخالفات الرقابة.. وتجاهلها يكسر هيبتها نصف قرن والبنوك لا تمكن الديوان من فحص حساباتها وليس بعيداً عنه حال هيئة الرقابة والتحقيق، فهي الأخرى تشكو من تأخر البت في مشروعات نظامها المرفوع للمقام السامي منذ أكثر من عشر سنوات، وذات الشكوى المتعلقة بالأنظمة جاءت من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المولودة حديثاً، وقد كشفت في آخر تقاريرها عدم اكتمال وضعها التنظيمي بسبب عدم صدور الموافقة على اللوائح التنفيذية التي رفعتها للمقام السامي. مهام الديوان والرقابة و"نزاهة" إذاً الأجهزة الرقابية الثلاثة تفصح عن الخلل والقصور في أنظمتها، ويختص الجهاز الأول "ديوان المراقبة" بالرقابة اللاحقة على جميع "إيرادات الدولة" ومصروفاتها، وكافة أموالها المنقولة والثابتة، ومراقبة حسن استعمالها واستغلالها، والمحافظة عليها، والرقابة على الشركات التي تساهم فيها الدولة ب 25% وأكثر من رأسمالها، وأسند للثاني "هيئة الرقابة" الرقابة على حسن الأداء الإداري وتطبيق الأنظمة، والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية والإدعاء فيها أمام المحكمة المختصة، وتركز رسالة ثالث هذه الأجهزة "نزاهة" على حماية النزاهة ومكافحة الفساد في الأجهزة المشمولة باختصاصات الهيئة لخلق بيئة عمل في تلك الأجهزة تتسم بالنزاهة والشفافية والصدق والعدالة والمساواة، وتسعى عبر أهدافها إلى متابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها، وتنسيق جهود القطاعين العام والخاص في تخطيط ومراقبة برامج مكافحة الفساد وتقويمها، إضافة إلى جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد وتصنيفها وتحليلها وتنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد. التجاوب مع الرقابة أول جهازين رقابيين كانا "ديوان المراقبة" و"هيئة الرقابة والتحقيق"، وقد تم إنشاؤهما في وقت واحد قبل نحو نصف قرن، وقد حوت التقارير السنوية للجهازين استمرار العديد من المعوقات، وفي مقدمتها عدم تجاوب بعض الجهات المشمولة برقابتهما. وأكد أحدث تقرير للديوان امتناع جهات كلياً عن التعاون معه، وعدم تفهمها لأدواره والمهام التي يقوم بها، فعلى سبيل المثال، لم يمكن ديوان المراقبة من إنشائه قبل نحو 50 سنة بفحص حسابات البنوك التي تساهم فيها الدولة بنسبة 25% بالرغم من أنها تقع ضمن اختصاصه، وكذلك استمرار وزارة المالية في عدم تمكين الديوان من فحص مستندات الحساب الختامي للدولة ميدانياً، وعدم اطلاع المسؤول الأول على المخالفات المرصودة، والاكتفاء برد الإدارات المخالفة، ما يؤدي إلى عدم معالجة المخالفات وتكرارها. وعدّ الديوان غياب مبادئ المساءلة ومن ثم المحاسبة من أهم المعوقات التي تواجه قطاع الرقابة بالمملكة، ومن ذلك عدم قيام بعض الوزراء والمسؤولين بتنفيذ ما يطلبه الديوان فيما يخص إجراء التحقيق في الملحوظات والمخالفات المرصودة، وهو - حسب الديوان - ما يؤدي إلى تعطيل تسوية المخالفات ومجازاة المسؤولين عنها، كما أدى تكرار عدم الالتزام بتطبيق الجزاءات على المخالفين، إلى الحد من هيبة ديوان المراقبة. مشروعات تأديب الموظفين ومن المعوقات المكررة في تقارير هيئة الرقابة، تأخر البت في مشروعات تأديب الموظفين، وتأخر أغلب الجهات الحكومية بتزويد الهيئة بخططها وبرامجها والعقود التي تبرم مع المتعهدين، وبيانات بأسماء المكلفين لتنفيذ برامجها خلال موسم الحج، حتى وصل التراخي من بعض الجهات إلى ورود خططها وبرامجها في الأيام الأخيرة للموسم أو انتهاء الحج، مثل خطط وزارة الثقافة والإعلام، ووزارة البيئة والمياه، وبرنامج سندات الهدي والأضاحي والصدقة التابعة للبنك الإسلامي. ضعف الصلاحيات وتأخر التحقيق أما هيئة مكافحة الفساد، فثاني الصعوبات التي تواجهها وتحول دون تجويد تنفيذ مهامها، عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع تزويد الهيئة بالمعلومات والوثائق التي تطلبها خلال مدة الثلاثين يوماً، واقتصار الصلاحيات المتعلقة بالضبط على التحقيق من البلاغات المتعلقة بجرائم الفساد والتحري عن حالاتها في المشروعات، وعدم قدرتها على إيقاع أي تدابير احترازية أو تحفظية بشكل مباشر، وتأخر البت في قضايا الفساد لدى الجهات التحقيقية والقضائية، وعدم استجابة مؤسسة النقد لطلبات الهيئة بشأن الكشف عن حركة حسابات الأشخاص المشتبه بارتكابهم الجريمة من جرائم الفساد، وأيضاً عدم حصولها على نسخ من الأحكام النهائية الصادرة في قضايا الفساد. جهات حكومية تجهل واجبها واعتبرت هيئة مكافحة الفساد من معوقات عملها، اقتصار الفقرة الثانية من مادة تنظيمها على التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود، وأيضاً عدم إقرار عقوبة التشهير، وعدم تمكنها من نشر ما يتم اكتشافه من حالات فساد، كما لم يتضح حتى الآن لبعض الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة الدور التنفيذي المطلوب منها تجاه الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. تباين المزايا وتسرب الكوادر وإضافة إلى ما سبق، فيشترك ديوان المراقبة مع هيئة الرقابة والتحقيق بنقص الكوادر البشرية، فالديوان أفصح عن تسرب المؤهلين للقطاع الخاص ولهيئة مكافحة الفساد، بسبب ضعف السلم الوظيفي له، كما تعاني الرقابة النقص في عدد المراقبين والمحققين والإداريين والمستخدمين، مؤكدةً عدم كفايتهم لتغطية أعمالها، خاصة في ظل اتساع المملكة وتعدد مناطقها وانتشار المصالح الحكومية فيها، إضافة إلى عدم توفر كادر سلم وظيفي لأعضاء الهيئة من المراقبين والمحققين مماثل لما يتمتع به أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام وديوان المظالم والمراقبة العامة، الذين يساوونهم في العمل والمؤهل ودون أي ميزة.