تنبه مجلس الشورى مبكراً لمعالجات الأجهزة المناط بها مراقبة الأداء الإداري والمالي للملحوظات التي ترصدها وتكشف خلالها عن مخالفات صريحة وغير مباشرة لأنظمة الدولة المالية والإدارية والرقابية، فقدم قبل وبعد نظامه بالعدد الجديد 150 عضواً وخلال ما يزيد على عقد من الزمان العشرات من القرارات التي تساند ثلاثة أجهزة رقابية في متابعة ورقابة مشروعات الدولة، فديوان المراقبة يختص بالرقابة المالية اللاحقة على جميع عقود الدولة ومشروعاتها، أما هيئة الرقابة والتحقيق فتراقب مشروعات خطط التنمية ومشروعات فائض الميزانية، وتهتم هيئة مكافحة الفساد بالتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود المشروعات والأشغال العامة. وصبت قرارات الشورى لصالح مواجهة الفساد بشتى أنواعه والرفع إلى خادم الحرمين الشريفين ما يراه لمعالجة معوقات القطاعات الرقابية التي تواجهها أثناء أداء مهامها؛ فطالب مؤسسة النقد بالكشف عن حسابات المشتبه بارتكابهم جرائم فساد، ودعا الوزراء ورؤساء الأجهزة الحكومية الذين يرفضون التحقيق في الفساد إلى الاستجابة مع ديوان المراقبة وهيئتي الرقابة ومكافحة الفساد وتمكينهم من ممارسة عملهم وإجراء التحقيق في المخالفات وأوجه الفساد التي تحيلها إليهم، مما يدخل ضمن صلاحياتهم، وهو ما يؤدي إلى تعطيل تسوية المخالفات وإصلاح الخلل، ويتيح الاستمرار فيها وتكرار ارتكابها، وشدد المجلس على تزويدها الفوري بما تطلبه من معلومات ووثائق لمنع إفلات أشخاص وأموال من المحاسبة بسبب رفض تدابير الرقابة التحفظية والاحترازية، كما طالب بتسريع البت في قضايا الفساد لدى جهات التحقيق، مؤكداً أن طبيعة جرائم الفساد وتشابكها يتطلب سرعة إنهاء إجراءات التحقيق لمنع المفسدين من إخفاء جرائمهم والتصرف بما حصلوا عليه من أموال بدون وجه حق، والعبث بالأدلة وضياعها، كما تضمنت قرارات الشورى تمكين منسوبي الأجهزة الرقابية من تأدية مهامهم في الجهات المشمولة باختصاصاتها التي تمنعها من تأدية مهامهم، أو عدم تزويدهم بما يطلبونه من وثائق وأوراق أو نسخ منها، لتتبع حالات الفساد، وجمع الأدلة حوله، بحجة السرية وعدم كشف المعلومات. وشددت قرارات الشورى المتواترة على منح ديوان المراقبة العامة الاستقلال المالي ليناسب توجه الدولة في الإصلاح الشامل وطالب من الأجهزة الرقابية تقريراً مفصلاً بالجهات التي تتجاهل ملاحظات المراقبة وكشف حجم المخالفات كما حذر بعض الجهات الحكومية من عدم التعاون والرد على ديوان المراقبة وهيئة مكافحة الفساد والكشف عن الإجراءات التي اتخذتها لتحصيل المبالغ التي أبديت ملحوظات بشأنها، كما دعا إلى امتداد الرقابة ليشمل مراقبة تنفيذ الخطط والبرامج والإستراتيجيات خاصة التي لها انعكاسات كبيرة على رفاهية المواطن وخصصت لها الدولة اعتمادات مالية كبيرة ومنها على سبيل المثال مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، وتطوير القضاء، وإستراتيجية التعليم الجامعي حتى عام 1450، والإستراتيجية الوطنية للصناعة، وللصحة، وغيرها من الخطط والإستراتيجيات والبرامج. وفي محاولة لردع الجهات التي تتجاهل الملاحظات الرقابية، طالب مجلس الشورى بمعلومات تفصيلية عن الجهات غير المتعاونة التي لا تلتزم بالرد على ملحوظات الديوان وهيئتي الرقابة ومكافحة الفساد مع تحديد حجم ونوعية المخالفة، وتضمينها لتقاريرها السنوية المقبلة، ليتسنى للمجلس من خلال لجانه المختصة ممارسة دوره الرقابي على الجهات التي لديها مخالفات ولا تستجيب لملحوظات الرقابة ومساءلة تلك الجهات. ونادى المجلس بتوسيع نطاق الرقابة على الأداء لتشمل الخطط والبرامج والإستراتيجيات لجميع الجهات الحكومية للتحقق من أن تلك الجهات قد استخدمت الموارد المالية والبشرية في الأنشطة والمهام المنوطة بها بأعلى قدر من الكفاءة والفعالية والاقتصادية، وطالب الشورى بتشكيل لجنة عليا لوضع حلول عاجلة لمعالجة المعوقات التي تحول دون إحداث أو تفعيل وحدات المراجعة الداخلية في الجهات المشمولة برقابة ديوان المراقبة، والرد على الملحوظات التي تكتشفها الأجهزة الرقابية مثل الإهمال وتعثر المشاريع، وإحالة بعض الوزراء ورؤساء الجهات لملحوظات الهيئة إلى المسؤول أو الإدارة أو الفرع الذي وقعت فيه المخالفة، للرد عليها، ثم يحيلون الرد دون إبداء مرئياتهم، مما يبقي على المخالفات ويحول دون تصحيح الأوضاع الناشئة عنها، ويمنع سد ثغرات الفساد. وأقر مجلس الشورى نظاماً لحماية المال العام -الذي لم يصدر بعد- وتضمينه جزاءات كافية لمساءلة ومحاسبة جميع من يخالف الأوامر السامية والقرارات والتعاميم المتعلقة بحماية المال العام، وطالب أيضاً أكثر من مرة بتمكين وزارة المالية لديوان المراقبة من فحص الحساب الختامي للدولة ميدانياً، وفحص حسابات البنوك التي تساهم فيها الدولة، ودعا المجلس هيئة الرقابة إلى أن تتجاوز بملحوظاتها على الأجهزة المشمولة برقابتها إلى مرحلة التحليل وتقصي أسباب المخالفات التي تقع فيها هذه الأجهزة، والتأكد من متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من المقام السامي وتفعليها بدلاً من الاكتفاء بالرصد لتلك المخالفات، وطالب بتضمين الهيئة أسباب المخالفات التي تقع فيها الأجهزة الحكومية وكيفية معالجتها في التقرير السنوي المقبل، كما حثها على تطوير البرامج والآليات الرقابية التي تنفذها لتعكس الأداء الفعلي للأجهزة المشمولة برقابتها، ونادى بمعالجة الصعوبات المتصلة بموضوع مراقبة شركات التأمين التي تدخل في نطاق اختصاص مؤسسة النقد العربي السعودي؛ حيث رصدت الهيئة العديد من المخالفات على شركات التأمين ولكنها لم تجد التعاون فيما يتعلق بحل مشكلات هذه الشركات. واستهدفت قرارات مجلس الشورى زيادة قوة هيئة مكافحة الفساد الوطنية ومنحها صلاحيات أكبر فمن أحدث قرارات الشورى مطالبة هيئة مكافحة الفساد في شهر رمضان الماضي بدراسة واقع الفساد في القطاع الخاص، خاصة في القطاعات المصرفية والتمويلية والتأمين والمقاولات، ومدى تأثيره على القطاع العام، مؤكداً أن الفساد في القطاعات الكبرى مثل المصارف والتمويل والتأمين والمقاولات، له أثر مباشر على الفساد في القطاع العام، وقد يكون من أحد أهم مسبباته، وحث المجلس الهيئة على إنشاء مؤسسات وجمعيات غير حكومية متعددة الأغراض لمكافحة الفساد وحماية النزاهة، كما دعاها إلى التركيز على مسببات الفساد ومعالجتها وإجراء الدراسات المسحية لجميع الظواهر واقتراح الحلول الإدارية والنظامية، ووافق الشورى على تشكيل لجنة عليا برئاسة هيئة مكافحة الفساد وعضوية الوزارات ذات العلاقة، الداخلية، العدل، المالية، التعليم، الإعلام، الاقتصاد والتخطيط، التجارة والاستثمار، والجهات الرقابية الأخرى، تعنى بتكثيف وتنسيق جهود المملكة لتعزيز مكانتها في المؤشرات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد والتي من أهمها مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية. ويستمر الشورى عبر لجانه المتخصصة بدراسة أداء الأجهزة الرقابية وأيضاً تصب لديه جميع تقارير الأداء السنوية المشمولة برقابة ديوان المراقبة وهيئة الرقابة، وكذلك هيئة مكافحة الفساد، فقد ناقش مؤخراً توصيات جديدة طالبت بربط ديوان المراقبة العامة تنظيمياً بالملك مباشرةً، وأن يكون له ميزانية خاصة تعتمد وتصرف بأمر ملكي، كما جدد المجلس المطالبة بتضمين تقارير ديوان المراقبة العامة السنوية معلومات تفصيلية عن الجهات التي لا تتعاون مع الديوان ولا تلتزم بالرد على ملحوظاته، مع تحديد حجم المخالفة ونوعيتها؛ حيث سبق أن كشفت الجهات الرقابية بما فيها الديوان وهيئة مكافحة الفساد عن تأخر وتراخٍ في تطبيق الأنظمة المجَّرمة للفساد من قبل بعض الأجهزة الحكومية، وغياب تطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة، الأمر الذي أدى إلى زيادة ممارسات الفساد والمخالفات، إضافة إلى عدم تجاوب بعض الوزراء ورؤساء بعض الجهات المستقلة لطلب الهيئة التحقيقَ وتطبيق العقوبات المقررة لما يثبت من المخالفات مما يدخل في صلاحية الوزير وهو تطبيق العقوبات التي لا تصل إلى الفصل. وأظهر تقرير الديوان وجود عدد من الجهات لا تتيح له القيام بمهامه الرقابية والبعض لا يتعاون بشكل كامل معه، وأكدت أن مثل هذا التصرف لا يتوافق مع نظام ديوان المراقبة الذي جاء عاماً دون استثناء، وأشارت إلى أن تقريره جاء خالياً من تحديد تلك الجهات والمبررات التي تسوقها في هذا الشأن، كما لم يوضح التقرير الإجراءات التي اتخذها الديوان في حق تلك الجهات بما في ذلك تحريك الدعاوى التأديبية بحق الموظفين المنسوب لهم ذلك التصرف، مؤكدةً اللجنة على قرار سابق للمجلس صدر عام 1435 يطالب الديوان بالكشف عن الجهات غير المتعاونة وتحديد حجم المخالفات ونوعها، ودعت توصيات لجنة المجلس للهيئات الرقابية على التقرير السنوي للديوان إلى وضع سلم وظيفي موحد للجهات الرقابية أسوةً بما تم تطبيقه في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. ومن المنتظر أن يناقش المجلس قريباً توصيات للحد من ظاهرة الرشوة وإلزام الجهات الحكومية بالإفصاح عن الفساد، فقد كشف تقرير سنوي أخير لهيئة مكافحة الفساد -حصلت عليه "الرياض"- عدم التزام الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بالإفصاح والإبلاغ عن حالات الفساد التي تكتشفها والمعلومات والوثائق والمستندات كافة، وأدى ذلك إلى عدم تمكن الهيئة من بناء قاعدة المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد وتصنيفها، وتحديد أنواعها، وتحليلها، وعدم تمكنها بشكل كبير من تنفيذ الأوامر السامية الصادرة بنشر ما يتم اكتشافه من حالات الفساد، وبالتالي صعوبة إعداد تقارير دقيقة لتقويم وضع النزاهة والفساد في المملكة. وطالبت لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية عبر ثلاث توصيات لها على التقرير السنوي للهيئة للعام المالي 37 - 1438، بمعالجة أسباب تزايد حالات تجاوز نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية واقتراح ضمانات للحد من ذلك، وفق الملحوظات التي لدى الهيئة، ولاحظت لجنة الهيئات الرقابية الشوريَّة أن عددا من الجهات الحكومية تصدرت قائمة الأكثر تقديما للبلاغات ضدها، فطالبت اللجنة تلك الجهات بمحاربة هذه الظاهرة والحد منها ومعالجة وضعها الداخلي.