تتصدر الأنفس البشرية بأحاسيسها ومشاعرها أعلى مراتب الرفعة والتهذيب بين جميع المخلوقات التي خلقها الله، وذلك لتميزها بالامتزاج والتناغم بين ما أودعه الله فيها من مشاعر وروح وأفكار، وبما يحويه العقل البشري من طاقات وقدرات، حيث يتخلل نفس الإنسان سيول عارمة ورياح عاتية ورعود مدوية وبروق خاطفة من مزيج من المشاعر والأحاسيس والأفكار التي لا تتوقف ولا تتعطل إلا بأمر خالقها، عند توفر الظروف المناسبة والمعززة للهمم العالية. والطموح هو من أرقى وأعظم وأنبل المشاعر الإنسانية على الدوام، ومن المعتاد فإنه يتدفق في دماء الشباب ومشاعرهم وأفكارهم، بشكل أكبر عن غيرهم من الأعمار الأخرى، فإن وفق الله الإنسان في شبابه إلى تنمية تلك المهارة في نفسه وسعى إلى استدامتها وتطويرها، فستفتح له أبواب النجاح والفلاح والسعادة، وسيحقق مراده. وللطموح آفاق واسعة وله ميادين فسيحة لا يقيدها زمان أو مكان، ولأصحاب النفوس العالية والهمم العظيمة نواميس وأسرار لا يعلمها إلا الله، تنير عقولهم وتصفي أرواحهم وتهذب مشاعرهم وأحاسيهم، فتدفع في أنفسهم أسرابا متتالية من الطموحات والنجاحات المستمرة. وللطموح مسببات وموارد وله طرق ومسالك، وتنطلق اللبنة الأولى للطموح وتبدأ من داخل الإنسان، وتتنامى وتكبر وتتسارع إن وفق الإنسان وتهيأ لذلك، نفسيا وفكريا وجسديا، من أجل تطوير طموحاته ورغباته للوصول إلى النجاح، وإن سعى إلى تحقيق مآربه وغاياته بكل إخلاص وتفانٍ؛ وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. كما أن للتربية وللمجتمع وللبيئة الدور الأعظم في تكوين السلوكيات والأفكار البناءة في تعزيز وتطوير حب الطموح وتذليل عقبات النجاح، بالمثالية الصادقة وبالقدوة الحسنة والتشجيع وبث روح السعادة في أفراد وشباب المستقبل. ومهما توافرت سبل الطموح، فلن يتحقق ذلك، إن لم يكون لدى الشخص المعني الرغبة الصادقة والهمة العالية لنيل أعلى درجات النجاح، ولن يتحقق كذلك إن لم تكن هناك خطط وأهداف محددة يسعى إلى تحقيقها خطوة بخطوة. كما أن شعور الانتماء للمكان كالمنزل والمدرسة من أسباب تعزيز الطموحات وتحقيقها لما سيتوفر لدى الشخص من وقت للتفكير والتحليل للسعي إلى تحقيق أهدافه المرسومة، وعلى العكس من ذلك فإن الابتعاد عن أماكن تحقيق الأهداف والاندماج في الملذات والملهيات من أسباب انطفاء شعلة الطموح ومن أسباب الفشل الذريع وتندني شغف العزيمة. حيث يقول الشاعر أبو القاسم الشابي: وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجبَالِ ** يَعِيشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر. ولا يفوتني بهذا الخصوص أن أشير إلى دور الصديق أو الزميل في تعزيز أو تثبيط مشاعر الطموح، وإلى دوره البارز وتأثيره على صاحبه سلبا أم إجابا، ومن أجل ذلك، فإنه يجدر بكل شاب أن يختار في صحبته الأشخاص الإيجابيين والمخلصين له، وأن يبتعد عن السلبيين وأصحاب الهمم المتدنية. كما أن اهتمام الإنسان بصحته وبممارسته هواياته، لها الدور الفعال في تجديد النشاط وزيادة الحيوية اللازمة للمضي قدماً في شحذ الهمم وتوفير السعادة المطلوبة.