الحالمون السعوديون ليسوا واهمين حالمين في عز الظهر، ولكنهم حالمون بمشاعرهم ومخزونهم الثقافي والعقائدي وطموحاتهم وقدراتهم على توظيف إمكاناتهم، ولن يقفوا عند الكلام النظري، ولن يهربوا للزوايا الرمادية، بل سيواصلون الصعود إلى قمم المجد.. لا شك أن كل مرحلة وطنية انتقالية تحتاج إلى أشخاص حالمين، بشرط ألا ينفصل الوعي السليم عن الواقع والوسيلة واليقين. ويقدم لنا فيلم الحالمون، الذي عرض بدور السينما العالمية في فبراير 2004م، مفهوماً معيناً لما كان عليه بعض الشباب العالمي الحالمون بعد الحرب العالمية الثانية. عمل درامي ثلاثي الهوية (فرنسي، أميركي، إيطالي)، من إخراج (بيرناردو بيروتولوتشي)، والقصة مأخوذة من رواية الكاتب (جيلبيرت أدير)، "الأبرياء المقدسون" التي كانت تتناول نزوات جيل الشباب بعد ثورة باريس 1968م، وتصور مشاعر وأفعال تمرد ذلك الجيل على القيم الاجتماعية، الذي ظهر على شكل تفسخ جنسي صادم، مما أضفى على مشاهد الفيلم، الكثير من اللذة الشيطانية، بالإضافة إلى المنطق المعووج الناقص، الذي يستشفه المشاهد حينما يسمع طرح نظريات مقنعة، غير أنها لا توازي ما يكون بالشارع من حراك، ولا تتمكن من الربط بين الأصول والمنطق والمعرفة، فتستمر المفارقة بين حقيقة الاستبداد والقهر الاجتماعي والاستعباد من خلال رؤوس الأموال المتوحشة وبين براثن النفاق الاجتماعي والحيرة العقائدية السائدة، والتي حاول أبطال الفيلم تخطيها بأسرع الطرق وعبر الهروب إلى حياة جماعات الهيبز البوهيمية العبثية، التي سادت في حينها بين الشباب. والفيلم يحكي عن ظاهرتي العنف، واللاعنف، ويحكي عن مفهوم الشباب حيالهما، وانقسامهم بين مؤيد ورافض، مما يجعلهم في بعد تام عن ملامسة الواقع الحقيقي القاسي المتعلق بالصراعات اليومية. وهذا الفيلم لا بد أن يعن على مخيلة من عاش مرحلة الرؤية، وتكوين السعودية الجديدة، وكل من سمع كلمات سمو الأمير الشاب ولي العهد محمد بن سلمان، وهو يتكلم عن جيل السعودية الحالم، ممن يشكلون سبعين في المئة من تعداد أكثر من عشرين مليوناً من الشعب السعودي. يقول سموه: إن مشروع "نيوم" سيغير الكثير من المعالم في السعودية، مؤكداً أن أكبر عنصر في هذا المشروع هو الشعب السعودي. وأضاف بروحه الشبابية: إن الجميع في المملكة يتقدمون بخطى واثقة وثابتة في برنامج ضخم يهدف إلى التطور والتغيير وأن: "طموحنا لا حدود له". وقد ركز سموه على أن أهم عنصر في المنظومة المستقبلية هو رغبة الشعب السعودي وإرادة الشعب السعودي، فالشعب لديه الكثير من المبادئ الأصيلة والركائز الصلبة، لأنه عاش في الصحراء ولديه منها الفراسة والدهاء، الذي يمكنه من التأقلم مع أجواء وتضاريس وصعوبة العيش في الصحراء، والعزيمة الجبارة التي تجعله يصل إلى ما يريد. ما يحدث في السعودية الجديدة في الفترة الحالية، هو شبيه بنتاج كل الثورات العالمية، التي نقلت البلد من مرحلة، إلى مرحلة أخرى أكثر اتساعاً، وكونها نقية لا خسائر ولا دمار فيها يجعلها أقرب إلى وجدان الحالمين من أي نقاط نقض أو تردد أو يأس. الحالمون السعوديون ليسوا واهمين حالمين في عز الظهر، ولكنهم حالمون بمشاعرهم ومخزونهم الثقافي والعقائدي وطموحاتهم وقدراتهم على توظيف إمكاناتهم، ولن يقفوا عند الكلام النظري، ولن يهربوا للزوايا الرمادية، بل سيواصلون الصعود إلى قمم المجد، وبناء المستقبل بعقولهم وأيديهم. الشباب السعودي، وجيل الحالمين هنا، لم يكتب عليهم أن يبدؤوا من الصفر، وسيكون لهم زيادة على ما حلموا به رصيدا من القدرة على امتلاك التجارب القديمة، التي مرت بها أمتنا، ومما اختبرته أمم حالمة من قبلنا. الحلم العالمي لم يعد أمريكياً فقط، فبيننا من يصنع الأحلام وينشرها ويوطنها، وشبابنا الناهض يعرف كيف يوظفون أنفسهم من خلالها، بعد أن نبذنا الكسل، وجرمنا الواسطة، وحاربنا الفساد، وأعطينا الحقوق للمرأة، وعرفنا مكامن قوتنا، ونظرنا للواقع بعين المحبين لوطنهم المستقبلي المليء بزراعة وتحقيق الأحلام. الحلم السعودي قادم، ومن واجبنا أن نراعيه، وأن نخلص في تحقيقه، وأن نفتخر ليس بعنصرية، ولا بتطرف، ولكن بعين الفخر بالمنجز، وبمن حفز، ومن زرع سنابل الطاقة في الصحارى، وأشعل في قلوبنا الثورة، على كل كسل، وكل وجل، وكل خوف من الفشل.