فوبيا الزواج .. أو العزوف المتعمد من الشباب عن إكمال نصف الدين تحت حجج وذرائع متعددة بات يشكل صورة أشبه بالظاهرة، المبررات واهية فأصحاب النظرية يرون أن الزواج حجر عثرة أمام الطموحات ومسؤوليات كبيرة لم يحن وقتها بعد .. وعلى ذلك تتمدد حالات العزوبية بين الشبان والشابات، بعضهم يهاب التجربة مخافة الضغوط النفسية، والبعض يروج أن الزواج يعيق ويعطل مسيرة النجاح وآفاق المستقبل .. أما البعض فيعتبر الزواج حابسا عن حياة اللهو والمرح .. فماذا يقول العلماء والمختصون؟ الدكتور محمد آل زلفة العضو السابق في مجلس الشورى، يرى أن ما يحدث في المجتمع وما تشير إليه الاحصائيات بأن مليونا و600 ألف امرأة عانس في المملكة يعتبر أمرا مخيفا ومرعبا، ويضيف لا أتصور أن ذلك يحدث في غير مجتمعنا، والنسبة تعد كبيرة ولم يعرف حتى الآن أعمار العازفين عن الزواج. بعض الشباب للأسف يقضون حياتهم في اللهو ويمر الزمن وهو لا يدري ولا يعرف كيف يختار، ومن الأسباب الرئيسة لعزوف الشباب عن الزواج كما يقول آل زلفة الانغلاق، ففي بعض البيوت أربع وخمس فتيات لا يعلم أحد عنهن شيئا، كما أن انطوائية المجتمع سبب إضافي فالأسر لا تلتقي إلا في المناسبات والفرص نادرة وحتى على مستوى الأحياء لايوجد تعارف بين الجيران، والآن لدى الشباب والفتيات انفتاح عبر وسائل الاتصال الحديثة ومن خلال المواقع الاجتماعية فهم يمارسون الخداع والكذب وعدم الأمانة في طريقة التعامل لأنها طرق غير سليمة ونتائجها وخيمة. محاذير كثيفة يتوقع آل زلفة زيادة عدد العازفين عن الزواج في الفترة المقبلة، وسيواجه المجتمع مشكلة كبيرة في المستقبل إذا لم تتغير ثقافة المجتمع من الناحية الاجتماعية وإعادة تأهيلها للانفتاح بطريقة سليمة. ويعلق العضو السابق في مجلس الشورى الدكتور آل زلفة، تصور أن المرأة تعزف عن الزواج لأنها لا تجد الزوج المناسب والرجل كذلك، والأمر له انعكاسات على ما نشهده في مجتمعنا مثل ظاهرة الأمراض النفسية أو الانتحار والاكتئاب. كما أن التقسيمات الاجتماعية المغلوطة زادت من الانعزالية وقلة التواصل الاجتماعي وتدفع الفتاة الثمن وترتفع نسبة العنوسة. ويشير آل زلفة إلى محور في غاية الخطورة عما أسماه العلاقات غير السوية التي تحدث بين الشبان والشابات فالرجل يعتقد أن كل الفتيات مثل من كان يعرفها والمرأة كذلك وهو الأمر الذي يخلق التوجسات والشكوك. وحث المتحدث العلماء والمثقفين إلى التنبه لهذا المحور وإعادة النظر في بعض المفاهيم الخاطئة. هجوم على الجيل الجيل الحالي غير مسؤول، العبارة أطلقتها الدكتورة مها حريري الاستشارية النفسية التي أضافت بالقول إن درجة وعي الجيل الحالي غير ناضجة بل سطحية فالمسؤولية شبه معدومة والإقدام على الحياة الجديدة وتكوين أسرة تعتبر أكبر من طاقتهم، كما أن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع يسبب لدى الشباب خوفا من التجربة، كما أن عدم الثقة بالنفس وبالآخرين هي السائدة عند كثير من الشباب، فأصبح المجتمع يخاف بعضه، وبالتالي حدثت فجوة اجتماعية كبيرة. وتضيف الدكتور حريري أن كثيرا من مراجعي العيادات النفسية يشعرون بالغربة النفسية، فالانفتاح العالمي الحاصل والفجوة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي ومستوى الوعي عند الكثير غير ناضج. هذه عوامل تسبب العزوف عن الزواج، وعند الإناث يعتبر القلق والخوف هو السبب الرئيسي، فالفتاة تريد أن تكون لها شخصية مستقلة وتحقق طموحها وأهدافها وتخاف من أن الزواج قد يعطلها عن تحقيق الهدف، وعند الرجال أسبابه ومفهومه في الحياة وأغلبه سطحي فأصبح يفضل الحياة بعيدا عن الزواج ولا يريد تحمل المسؤولية، وللأسف معظم الزيجات التي تحدث عن علاقة، هي زيجات فاشلة تتم بدافع الرغبة وليس بدافع الحب والمسؤولية ومن ثم يحدث الطلاق. مفهوم السعادة وترى الدكتور حريري أن مفهوم السعادة اختلف عن السابق فكان المفهوم هو بأن يكون الشخص لديه زوجة وأبناء ومنزل، والآن أصبح للسعادة مفهوم آخر وهو يكون لديه وظيفة ويكون مرغوبا من الجنس الآخر وقد يسبب هذا العزوف أضرارا على الفرد بأن يصبح متقوقعا على نفسه والكائن البشري كائن اجتماعي بطبعه، وسيصل إلى وقت سيكون وحيدا. وتشير إلى إن الفجوة الاجتماعية إذا كانت نسبتها 10 % وستكون مستقبلا 95 %، ويصبح المجتمع العربي مثل الغربي والتواصل يصبح شبه معدوم بين أفراد المجتمع. إن مشكلة العزوف عن الزواج تؤثر على نفسية الفرد على المدى البعيد، كما أنه يجعل مشاعره جامدة أو باردة بسبب قلة التواصل مع الجنس الآخر أو المشاركة، فالزواج يعتبر مودة ورحمة بين الذكر والأنثى وألفه وتبادل مشاعر وبدونها تتحجر عواطف الشباب ولابد أن يشبع الجانب العاطفي للفرد ولا يحدث إلا في قالب يقبله المجتمع وهو الزواج. انفتاح بضوابط وتطالب الدكتورة حريري بتغيير بعض المفاهيم الخاطئة عن الزواج حيث إن الإعلام له دور أكبر في التوعية، فالطبيعة البشرية هي أن يتزوج الفرد، فلابد من تعديل الأفكار وزيادة الوعي بأهمية ودور الزواج والحياة الأسرية، ومنها أن يتم فهم أن الزواج تواصل وتوافق في الأصل، وكيفية حدوث الزواج الآن تعتبر عشوائية، فيتم الاعتماد على الظاهر ولابد من أن نتطور في مفهوم العلاقات ونخرج من قوالب العادات والتقاليد ونكون مجتمع منفتح بضوابط إسلامية، فالسيكولوجية النفسية غير موجودة، فعالم الرجال غير مفهوم لدى السيدات والعكس صحيح وهذا سبب رئيس لعزوف الشباب عن الزواج. مواجهة الحقيقة محمد العلي خبير ومستشار التربية والتدريب المحترف، ينادي أولا بالاعتراف بوجود مشكلة حتى يسهل معالجتها فمعظم الشبان والشابات لا يدركون المعنى الحقيقي للزواج ومن يقدم على الخطوة تحركه العواطف ولا يفكر في مفهوم الزواج الذي يعني أنه وحدة متكاملة، وحياة انتقالية من معيشة الفرد إلى صناعة مجتمع جديد. وهؤلاء لايوجد لديهم قدوة جيدة في المنزل، بالإضافة لمفهوم الحرية المطلقة الذي أصبح منتشرا إذ أن البعض لا يريدون تقييد أنفسهم وحرياتهم وعلى ذلك ظهرت حالات الطلاق وما ترتب عليها من آثار سالبة على المجتمع والعادات السيئة ويمضي العلي إلى القول لابد أن ننظر مرة أخرى إلى المظاهر والبهرجة في حفلات الزواجات، ولا ينبغي أن يفعل كل ما يقال وليس كل ما ينبغي أن يفعل ونبالغ في غلاء المهور، ومن أسباب التهرب عن الزواج عدم معرفة الشبان والشابات لمفهوم العلاقة الزوجية بالشكل الصحيح، إلى جانب عدم تقدير المسؤولية والتهرب منها، والرغبة في الحرية والاستقلالية المفردة دون وجود شريك، الحرص على العيش بحرية ولو كانت بعلاقات محرمة. لذلك لابد أن يكون هناك عزيمة ورأي من أهل الرشد والوعي وأن يكون كل فرد مسؤول عن الأبناء. قسوة الرجال الدكتورة سهيلة زين العابدين عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تقول إن التقليل من مكانة المرأة في ثقافة المجتمع الذكوري دفعت الفتيات للخوف من الزواج، وهناك أسباب كثيرة لعزوفهن أولها طريقة تعامل الرجل مع المرأة، وكثير من الفتيات تصطدم مع التعامل، إلى جانب نظرة المجتمع للمرأة والخطاب الثقافي السائد وحتى عندما تتعرض المرأة لعنف أسري لا تستطيع أن تأخذ حقها وهذه من الأمور الكثيرة التي تجعل من الفتاة لا تفكر في الزواج لأنها تجد أمامها نماذج واقعية تتعرض لهذه الأمور، فتجنب نفسها من هذه المشاق والمشاكل التي تأتي من الزواج، كما أنها لاتجد أي احترام وتقدير من زوجها، حتى أقل الحقوق لا تستطيع الحصول عليها وهي الاهتمام والتعامل الجيد، فالطموح والفكر التي تحمله الفتاة وإرادتها بتحقيق الانجازات تجعلها تخاف وفي الغالب تعتبر الزواج عقبة، لأن الرجل يخاف من تقدم المرأة وهذه نماذج ليست على جميع الرجال. أما بالنسبة للشباب العازف عن الزواج قد تكون الإمكانيات المادية عقبة إما عند الاستعداد للزواج أو مابعده من مسؤوليات أسرية تتطلب توفير الحياة الكريمة للأسرة ما يجعله يخاف أن لا يستطيع توفيرها.