على رغم أن لقب"عانس"صار مرتبطاً بمن تجاوزت الثلاثين من دون أن تخطو على عتبة القفص الذهبي، إلا أن هناك من يسمي الرجال غير المتزوجين ب"العوانس"أيضاً."العنوسة الاختيارية"، هو المصطلح الذي اختاره اختصاصيون اجتماعيون لعنوسة الرجل، لكونه صاحب القرار في ذلك على عكس المرأة. الآراء حول الأسباب تتفاوت من نواحٍ عدة، فأصحاب العلاقة لم يرجعوا الأمر إلى سبب ما، سوى الحرية، خصوصاً مع توافر"الخليلات"، والعلاقات غير الشرعية. والاختصاصيون جمعوا طاقاتهم لذكر الأسباب التي لا تنتهي، في حين اعتبر آخرون أن السبب ضعفٌ في الوازع الديني، وانعدام الإحساس بالمسؤولية. الإحصاءات التي انشغل بها باحثون كثر حول"العنوسة"بشقيها، لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، فالقضية أصبحت ظاهرة، والظاهرة لم تعد تخفى على أحد، كوضوح الشمس في كبد السماء. ما يسمعه الشباب"العزّاب"حول الزواج ومشكلاته، والقصص من كل نوع ولون، أثار تخوفهم، وخلق حذراً واضحاً في نفوسهم، من الإقدام على مثل هذا المشروع، الذي بات لا يفهم من سياق ما حولهم، أن سلبياته تفوقت على إيجابياته بالنسبة لهم. ويبدو أن إضراب عماد عبدالله 38 عاماً عن الزواج، لا يعود إلى حالته المادية، لكونه مقتدراً، في وقت يستنكر هو ذاته إطلاق لقب"عانس"على الرجل، ويفسر ذلك بقوله:"كثيرون هم العازفون عن الزواج بمحض إرادتهم، إذ لا يقارن الرجل بالمرأة في هذه الناحية، لأن المرأة تجبر على أن تكون عانساً في معظم الأحيان". ويضيف:"حتماً سأتزوج يوماً ما، لكن حتماً ليس الآن، لأنني حر نفسي، كما أن سفري للخارج والتمتع بالسهرات هناك يشغل وقتي، ويغطي حاجتي، وعندما أقرر الزواج سأجد بدلاً من الواحدة عشراً، مهما كان عمري، وبالمواصفات التي أتمناها"، متسائلاً:"بعد هذا كله، لم الاستعجال في الزواج إذاً؟". أما علي الشايع الذي تجاوز عامه ال42، فيقول:"أبحث عن العائلة والاستقرار، لكنني لا أستطيع إيجادها في ظل ما يحدث في العالم من انفتاح"، وتساءل بتشاؤم واضح:"أين تلك الفتاة التي لم يسبق لها أن دخلت في علاقات؟". ويضيف:"نعم، علاقاتي الحالية والماضية ولّدت لدي انعداماً في الثقة بأي فتاة، وإن بقيت هواجسي هذه على حالها، فلن أتزوج، إذ إن تلقيبي بالعانس أهون عندي بكثير من زوج غافل". ويرى عبدالله الدوسري 32 عاماً أن الزواج بحسب العادات والتقاليد أشبه بشراء"بطيخة"، خصوصاً في غياب الرؤية الشرعية،"فما ذنبي أن تختار أمي وأعيش أنا بقية عمري مع من اختارتها، وهذا ما حصل عند الشباب المتزوجين من جيلي، وما ان أسمع عن تجاربهم أبدأ بالحذر والتخوف من خوض تجربة الزواج، مفضلاً الأبدية على ذلك". وأبدى طلال القبلان 35 عاماً رأيه حول عنوسة الرجال، بقوله:"رجل عانس أفضل من زوج عابس"، ويجد أن معظم الرجال الذين جازفوا بالدخول في القفص الذهبي، أصبحوا كالعصافير المحبوسة داخله مهما كان نوعه، وبعد فترة يحنون للحرية فلا يجدونها، مستطرداً"أنا لا أنكر أهميه الزواج، فهو قدر محتم، لكن العزوبية والحرية أجمل". من جهته، يؤكد أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالعزيز الدخيل حاجة المجتمع الماسة لإجراء الدراسات والبحوث للتعرف على حجم المشكلة إن وجدت، والعوامل التي تساعد على حدوثها. ويقول:"عنوسة الرجل أو تأخر سن الزواج بالنسبة للرجل أمر يحتاج إلى تحديد قبل الخوض فيه، فلابد أن يُتفق على سن محدد يمكن أن نصف عندها الرجل في حال لم يتزوج بأنه عانس، لأن التحديد العمري يرتبط ارتباطاً مباشراً بمعرفة حجم المشكلة إن اعتبرت مشكلة اجتماعية يعيشها المجتمع السعودي". وبالمنطلق النظري، يرى الدخيل أن الزواج بالنسبة للشاب والفتاة هو سنة الحياة، وأن الغالبية العظمى تريد الزواج إلا ما إذا وجدت عوائق معينة تمنع الرجل من الزواج. موضحاً أن السن المقبول للزواج يختلف بين الذكور والإناث، كما أنه يختلف من مجتمع إلى آخر، وتختلف أيضاً في المجتمع ذاته مع مرور الزمن. وأوضح أن تأخر زواج الشاب إلى ما بعد الثلاثين قد يدخل فيه عوامل عدة، بوجود مشكلات معينة شخصية كانت أم نفسية أم صحية أم جنسية، إضافة إلى عدم رغبة الشاب في تحمل مسؤوليات الزوجة والأطفال. إلى جانب تأثير الفضائيات والإعلام تأثيراً كبيراً، جعل من بعض الشباب يحدد لشريكة عمره"مواصفات غريبة"، ينهي عمره بالبحث عنها من دون فائدة، كذلك يدخل العامل الاقتصادي كسبب رئيس. وأشار الدخيل إلى أن من الأسباب أيضاً، انتشار البطالة، والمستوى التعليمي المنخفض، أو نوع الوظيفة التي يعمل بها، منوهاً إلى أن انشغال الشاب في صناعة مستقبله وبناء نفسه قد يدخل في المسببات. أما الاختصاصية النفسية هند عبدالسلام فتقول:"إننا أمام مشكلة حقيقية مبطنة، لكون المجتمعات العربية تبصم العار على المرأة بتلقينها لقب "العانس"المبتذل، وتستنكر حدوث العنوسة للرجل". وتضيف:"كثرت المبررات الواهية التي تعطي للرجال المضربين عن الزواج إلى سن متقدم، كالظروف الاجتماعية والاقتصادية والمرضية، مؤكدة أن نقص الوازع الديني، وكثرة المال والجاه، فيبدأون بالتلذذ بالحرية مع الخليلات والعلاقات المحرمة، وهذا قد يشعره نفسياً باكتفاء نفسي وروحي، يقوده إلى التساؤل:"لماذا أربط نفسي بامراة واحدة تلزمني بالتزامات زوجية، في ظل التمتع الذي أعيشه؟".