إن بداية فهم الكون والحياة والنفس البشرية هو التفكر ومن ثم تدبر القرآن العظيم ومنتهاها الرسوخ في علم التفسير الإجمالي والمقارن والموضوعي والتحليلي «وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم» [آل عمران الآية...] وقد دعا الله تعالى في كتابه العزيز إلى ذلك التأمل والتفكر والتفكير العميق الذي يقود إلى الاستنباط والفهم ومحاولة كشف الحقيقة التي يسعى إليها الجميع بمختلف رؤاهم ومشاربهم ومذاهبهم وسواء كانوا على الحق، وإليه ماضون أم يخيل لهم ذلك. كما ذكرت في مقال سابق ووضح ذلك علماء أجلاء قبلي أن لمفسر القرآن شروطاً، وعدها بعضهم خمسة عشر شرطاً، منها إتقان علوم اللغة العربية الفصحى وعلومها من نحو وصرف وبلاغة بفروعها الثلاثة علم المعاني والبيان والبديع وفقه اللغة وعلوم القرآن الكريم والسنة النبوية والعقيدة والفقه، وحتى يكون المفسر راسخاً عليه بفهم أصول التفسير وقواعده وقواعد الترجيح وضبط المحكم والمتشابه والمفهوم والمنطوق والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ، ويحقق هذه الشروط ليسوغ له التفسير بالرأي ويكون رأيه حينها محموداً، ويتبع مناهج المفسرين المعتبرين في فهم التفسير وأصوله وعلوم القرآن الكريم، وما عدا ذلك من قراءات معاصرة لا تتبع منهجية علمية ولا تراعي التخصص فلا برهان لهم بها في إخضاع القرآن الكريم لنظريات نقدية أو فلسفية. فقد بين الله تعالى فيه كتابه العزيز أن ذلك العمل باطل، فالقرآن غير خاضع لعلم الفيلولوجيا أو علم الاشتقاق اللغوي، وعلم فلسفة التأويل «الهيرمينوطيقيا» لسبب واحد القداسة، فالقرآن لا يمس لا بتأويل ولا تحريف وإعجازه يفوق بمراحل التصورات البشرية، لأن منزله رب البشر والكون بأسره، وهذه حقيقة أقرها الله عز وجل سابقة لكل نظريات الفلسفة والنقد والمناهج التاريخية ذلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ [البقرة: 2] ذلك القرآن العظيم لا شك فيه، لا من جهة تنزيله، ولا من حيث لفظه ومعناه، فهو كلام الله، يهدي المتقين إلى الطريق الموصل إليه. المختصر في التفسير لو حاولوا جهدهم تبيان النقص والتحريف أو التناقض لما اسطاعوا، فالله متم نوره رغم أنف الجميع. قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا (الإسراء: 88). وهنا سؤال لماذا يقتصر دور بعض دور التحفيظ ومدارس القرآن على تصحيح التلاوة وتحفيظ القرآن فقط؟ هو دور مهم بلاشك، ولكن علينا أن لا نغفل عن أهمية تقريب التفسير وعلوم القرآن لغير المختصين حتى لا يقع العامة فريسة لكل رأي بلا قدرة على النقاش والتفنيد والتصحيح، فيقودهم ذلك للضلال والشك.