منذ سنوات طويلة، وبإلحاح من أفراد أسرتنا الصغيرة، قررت شراء خروف لذبحه في عيد الأضحى، وهو ما لم أتعود عليه إلا في منى، وكان سوق المواشي بعيدًا، ويحتاج شراء الخروف إلى واحد من أهل الخبرة، وسيارة خاصة تليق به، فليس من اللائق سدحه في ونيت، والأغلال في يديه ورجليه، مثله مثل أصحاب السوابق أو المجرمين. تحمست للفكرة، ولتحقيق رغبة الأبناء والبنات اشترينا الخروف، وكان لحسن حظنا نظيفًا أبيض، عليه مؤخرة تكفي حاجة بيت من الشحم لمدة شهر (يوم كان الناس يطبخون بهذه الشحوم، ويوم كانت اللية تؤكل مثلما يؤكل اللحم)، كل شيء حول الخروف أشبعناه بحثًا، حتى استقر في سيارتنا الخاصة، وبصحبته كيس من الشعير المعتبر، وسنؤمن له سكنًا في مرآب الفيلا، وذباحًا مخصوصًا، كل ذلك حتى لا يلقى حدفه أو يذبح على يد الجزار، إلا وقد حقق كل أمانيه أو رغباته، التي ربما لم تتحقق له عند أصحابه السابقين، الذين من عادتهم أخذه، وأحذ إخوانه، فرادى وجماعات، من الحراج المترب؛ حيث الحر والأتربة والحشرات إلى المسلخ. وفي دقائق يكون كل عضو منه في مكان، لا يُترك شيء منه لحاويات الزبالة، من الدار إلى النار فورًا! في منزلنا، استقبل الخروف حال دخولنا به إلى المنزل، استقبالاً حافلاً، من الأبناء والبنات، الذين كانوا أطفالاً. لأول مرة يكون ضيف السهرة في منزلنا خروفًا! أنزلناه من السيارة. مددنا حبلاً طويلاً، وثقنا به رجل الخروف. ذلك الحبل سيمكنه من التجول حول المنزل، ويمكنه من الأكل والنوم على راحته. ولم نسمح له بأن يرى الكلّاب المعلق في سقف "الجراش" تمهيدًا لتعليقه عليه بعد ذبحه. لم نترك شيئًا للصدفة! وضعنا أمامه عدة سطول، واحد أفرغنا فيه كيس الشعير، وكأننا نقدم له آخر زاده، وواحد وضعنا فيه ما تخلف من خبزنا على مدى أسابيع، وواحد وضعنا فيه حشائش من حديقتنا الصغيرة، والواحد الأخير من السطول وضعنا فيه الماء القراح، الوارد من المصلحة مباشرة! وهكذا لم نذهب إلى أسرتنا (بعد أن لعب الأطفال مع الخروف على راحتهم) إلا بعد أن وضعنا أمامه بوفيهًا مفتوحًا، لم يحلم به في حياته. في ساعة متأخرة من نهار اليوم التالي، وكنا في إجازة العيد، نزلنا جميعًا من غرفنا لاستكمال احتفائنا بالخروف، فقد بقي على التضحية به ثلاثة أيام، وهي كافية ليشبع الأطفال من اللعب معه، لكننا وجدناه نائمًا منهوك القوى، مع أن أحدًا من الأطفال لم يركب على ظهره، وحوله كانت سطول الزاد والماء فارغة، وكان من آثاره خط طويل حول جسم المنزل من مخلفاته. من الواضح أنه تعرض لإسهال واسع النطاق أنهك قواه. طلبنا مشورة جزار الحي، الذي أوضح لنا علته. قال الرجل وهو يخبط كفًا بكف: فيه أحد يضع كل هذا الزاد أمام خروف؟ الآن ليس أمامكم إلا ذبحه، أو تتركونه لمصيره، فلن يشفى أو يتحرك الخروف إلا إلى بطونكم أو إلى مقلب البلدية!