لم تعد أزمة الغذاء التي تهدد البشرية اليوم والتي تعددت أسبابها ما بين ديموغرافية وطبيعية وتنموية غائبة عن كل ذي لب، والمتتبع لما تبثه وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة يلمس اهتمام العالم بهذا الجانب ومحاولة مراجعة الخطط التنموية للإمساك بزمام الأمور قبل أن تتفاقم المشكلة لاسيما بعد تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي ووصوله إلى نسب مخيفة جدا. ونحن في المملكة العربية السعودية لسنا بمنأى عن العالم لذا فقد آن الأوان وحانت الفرصة لمناقشة أزمة الغذاء وتبادل الآراء حول هذه المشكلة العالمية؛ للعب دور إيجابي تنموي على مستوى المناطق الجنوبية الغربية على الأقل بخطط تنموية زراعية واسعة كونها مناطق مطرية، وذلك من خلال إعادة المجد الزراعي لتلك المناطق وعدم الاكتفاء بخطة تأهيل المدرجات، بل يجب أن يكون هناك استفادة كاملة من آلاف الهكتارات في المنطقة بأكملها التي كانت الباحة لوحدها يوما من الأيام هي الممول الأول لمنطقة مكةالمكرمة بالمحاصيل الزراعية كما ذكر ذلك المستشرق جون لويس بيركهارت وغيره ممن كتبوا عن مكة. والمناطق الجنوبية اليوم فعلا بحاجة إلى خطوة في اتجاه التنمية الاقتصادية الزراعية ويجب أن تضعها الوزارة وفروعها ضمن أجندتها لمواجهة أزمة الغذاء واستغلال آلاف الهكتارات الزراعية في المنطقة وإعادة الحياة إليها من جديد بشكل جاد من خلال إيجاد حل للمعوقات كاشراك القطاع الخاص في هذا الأمر بدلا من تأهيلها وتركها للمواطن الذي لم يعد لدى الكثير منهم رغبة في العودة إلى الحقول لأسباب كثيرة يعرفها أهل الاهتمام بهذا الشأن. فمن المعوقات الأساسية في هذا المشروع عدم توفر آلات الحرث والحصاد بشكل كاف والتكلفة الباهظة في عملية الحصاد خاصة، وكذلك أن الأرض التي كانت لرجل واحد بالأمس أصبحت اليوم لعدد كبير من أفراد الأسرة ما يحول دون استثمارها لتباين الآراء إزاء جدوى استثمارها بين الأسرة الواحدة الذين لا يزالون شركاء فيها. ومثل ما أن هناك معوقات هناك فرص أيضا، فمحصول مثل القمح لا يحتاج إلى مياه للري حيث يتزامن موسم زراعته مع الفصول المطيرة للمناطق الجنوبية والجنوبية الغربية ولأن هذا النوع من المحاصيل الزراعية ليس بحاجة إلى سقيا فثمرتها تنضج في وقت قياسي من دون تدخل لريها بعد زراعتها، وهذا ملاحظ في المدرجات الزراعية الغربية في أبها من السودة إلى جبل نهران، وكذلك في الأطاولة ودوس وفي جبل شدا الأسفل وفرعة غامد الزناد وغيرها فهم إلى اليوم لا يزالون يقومون بزراعة هذا النوع من الحبوب وغيرها زراعة بعلية تعتمد على الأمطار فقط. كما يجب أن يكون هناك دور لإدارة النقل والأمانات لتقدما دورا في هذا الاتجاه فالكثير من الجبال كجبل قراما وبران في تهامة الباحة كمثال بها مساحات وبلاد زراعية كثيرة بحاجة إلى طرق معبدة حتى يتسنى لملاكها أو شركات الاستثمار الوصول إليها دون مشقة أو تعب. باحث تاريخي*