وصل إنتاج القمح عام (1994) إلى (4) ملايين طن. ولكثافة زراعته توقف استيراده منذ عام (1985). ثم جاء تصديره للخارج من عام (1986). بلغ التصدير ذروته بأكثر من (2.4) مليون طن. هذا الكم الهائل من الإنتاج تسبب في استنزاف للمياه الجوفية المحدودة. ولأن الشأن الزراعي لم يقم على خطة زراعيّة، تحول إلى اندفاع اجتهادات، أضرت بمستقبل الزراعة والمياه. يؤكد هذا الادعاء خارطة توزيع الأراضي الزراعية بموجب نظام توزيع الأراضي البور. بلغ إجمالي المساحات الزراعية الموزعة في جميع مناطق المملكة حتى نهاية عام (1996) أكثر من (2) مليون هكتار. بدلا من تركيز توزيعها على المناطق الزراعية المطيرة من المملكة، كان التركيز على مناطق صحراوية، تعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة. مياه تجمعت خلال العصور المطيرة في باطن الأرض. بالمقارنة، كان نصيب مناطق الدرع العربية مجتمعة حوالي (3.3) بالمائة. منها (1.3) مخصصة لمنطقتي مكة والمدينة. وحظيت بقية مناطقه المطيرة (عسير، الباحة، جيزان، نجران) بحوالي (41) ألف هكتار فقط، تعادل (2) بالمائة من مجموع ما تم توزيعه على جميع المناطق. السؤال: ماذا خسرنا بالتوزيع العشوائي للأراضي الزراعية البور؟! الجواب يؤكد خسارتنا للماء وخسارتنا للغذاء. كنتيجة لعدم وجود خطة رشيدة، ظلت المساحات الزراعية التاريخية التقليدية سائدة في مناطق المملكة المطيرة. في مجموعها لم تتجاوز (125) ألف هكتار. كانت مخصصة لجميع أنواع الزراعة من حبوب وغيرها. ذلك التوزيع العشوائي ضيّع على هذه المناطق فرصة ذهبية، لتكون سلة خبز المملكة بواسطة الزراعة المطرية. كان يمكن توسيع الرقعة الزراعية عن طريق بناء المدرجات الزراعية في جبالها واستصلاح سهولها وأوديتها. كان يمكن تحقيق حصاد مياه الأمطار وتجميعها وتخزينها لتغذية المياه الجوفية أيضا عن طريق أحواض المدرجات الزراعية. بجانب سوء التوزيع العشوائي ضاع على زرّاع هذه المناطق فرصة الاستفادة من أسعار الضمان. أيضا خسروا كنتيجة برامج القروض والإعانات الزراعية السخيّة، مقارنة ببقية المناطق. كنتيجة هاجر الزرّاع وأبناؤهم إلى الأماكن الاقتصادية بالمملكة، تاركين الموروث الزراعي والمائي للإهمال والخراب والتهدم والانهيار. الحقائق البيئية والعلمية تؤكد أن المناطق المطرية ستظل تشكل مستقبل الزراعة السعودية. تشكل سلة خبز المملكة في ظل العقبات والتحديات القائمة والمستقبلية لمورد الماء. يظل القمح محور الأمن الغذائي لتجنب المجاعات وهاجسها. حاليا استيراد القمح يجنبنا الجوع. لكن إلى متى يمكن الاعتماد على غيرنا في غذائنا؟! ماذا أعددنا للطوارئ؟! هل نستطيع تحديد توقيتها وحجمها ونتائجها؟! لماذا لا نأخذ بنظرية (السخّان)؟! يوجد بكل (سخان) صمّام أمان. هذا ما نريده في أمر زراعة القمح. العيش دون قلق له ثمن. يجب أن يكون هناك صمام أمان لمواجهة النّائبات. أخذها في الاعتبار مطلب حياة. تجاهلها خيبة، وقد تكون تهلكة، لا سمح الله. لدينا شريط بيئي مطير. يمتد على قمم مشارف الجبال المطلة على البحر الأحمر. جبال بارتفاع يزيد في بعض المناطق عن (3000) متر. هذه القمم الباردة مصائد سخيّة للمطر. استوطن الإنسان هذا الشريط عبر التاريخ. شريط مهيأ في طبيعته لنزول المطر، وبشكل يحقق نجاح استغلاله زراعيا. فكانت الحدائق المعلقة على قمم وسفوح الجبال. مدرجات زراعية مبنية من حجارة الأرض الصلدة. بهندسة مهارية دقيقة، حققت الكثير من الأهداف عبر التاريخ. أهمها تحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي. هذه المنطقة يجب استغلال أراضيها لزراعة القمح وبقية أنواع الزراعات الجافة. هناك حبوب قمح محلية يمكن زراعتها على (مطرة) واحدة، لتعطي انتاج قمح يعوّل عليه. صنف القمح هذا أهم حتى من المفاعلات النووية. هو السلاح الأمضى الذي يجب المحافظة على امتلاكه. يجب تجنب ضياعه بأي ثمن كان. هذا النوع من القمح أحد أسرار استمرار الحياة في هذه المناطق عبر التاريخ. المدرجات الزراعية أو المصاطب الزراعية هي الوسيلة الطبيعية الوحيدة لصيد وتجميع وتخزين مياه المطر. هذا يعني تحقيق الأمن المائي. وتظل هذه المدرجات الزراعية الوعاء الذي يحقق الأمن الغذائي. هذه المناطق صمام الأمان الذي يجب أن يكون الشغل الشاغل لوزارة الزراعة. من المعيب الاعتماد في أمننا الغذائي على استيراد كل شيء. أيضا على الاستثمار الزراعي الخارجي. (أكرر) يجب أن يكون الاستثمار الزراعي المحلّي في هذه المناطق المطيرة، أولوية قصوى لوزارة الزراعة. استثمار جيل جديد من الزرّاع السعوديين في هذه المناطق مطلب وطني. المدرجات الزراعية مع التركيز على سهول تهامة السبيل الوحيد الذي يحقق التطلعات. للمساحات الزراعية الصغيرة إدارة وإمكانيات زراعية، منتشرة حتى في شرق آسيا. حيث المدرجات الزراعية لزراعة الأرز. هذا يعني دحض الرأي الذي يقول إن القمح لا يصلح إلا في المساحات المفتوحة. علينا وضع أولويات في زراعتنا. يجب أن تكون زراعة القمح في هذه المناطق أولوية. يجب التركيز على القمح المحلي الذي استطاع التكيف والتعايش مع البيئة الجافة خلال القرون الماضية. إذا كنّا في مرحلة مضت ندعم زراعة القمح في الصحاري، وبسعر أعلى من سعر السوق العالمية، فقد حان الوقت لدعم زراعة القمح الذي يعتمد على المطر. نكثف زراعته. نشجع لانتشاره بشتى الطرق. يمكن الاكتفاء الذاتي من القمح عن طريق استغلال مياه الأمطار. يمكننا تحديد المناطق المناسبة مطريا على طول امتداد جبال السراة. يمكننا التوسع في الزراعة الجافة والاكتفاء الذاتي في زراعات متنوعة وكثيرة. يمكن استغلال موروث الزراعة الجافة للمستقبل. يمكن الاعتماد على أنفسنا وبيئتنا لتحقيق الأمن المائي والغذائي. العلم اليوم يعزز هذا الاتجاه. توزيع مليون هكتار واستصلاحها في المناطق المطيرة من المملكة، ستوفر أكثر من (5) ملايين طن سنويا من القمح الذي يعتمد على المطر. علما بأن حاجتنا للقمح حاليا لا تتجاوز (3) ملايين طن. هذا الإنجاز، لو تحقق، سيكون أعظم إنجاز، وأثمن هدية للأجيال القادمة. * أكاديمي. جامعة الملك فيصل