من الشعراء من يفضل تقديم قصيدته بحيث يكون المعنى مباشراً، بينما يرى آخر أن المعنى المباشر ليس مفضلاً عنده وله تعليله. من ذلك التعليل أن المعاني غير المباشرة تؤدي أغراضاً أكثر شمولاً وتعطي المتلقي فرصة لمشاركة فهمه، ومعروف أن المعنى يضيق ويتسع بحسب احتمال النص نثراً وشعراً حتى ولو لم يقصد الشاعر ذلك المعنى الذي فهمه المتلقي. يقول الشاعر عبدالله بن جويان: لا تراخى لو إن الوقت ما هوب وده من تراخى تعشته الذياب الضواري واحذر اللي ما بين الناس هاته وده سلعته بايرة لو جاه بايع وشاري فالأسلوب هنا والمضمون يتيحان للمتلقي مجالاً لأن يتساءل وتأخذه العبارة في بحر معناها. كما أن اختصار الكلمات لتقديم معنى واسع يعد أسلوباً قائماً يتخذه بعض الشعراء، ففي جوامع الكلام مع الاختصار معانٍ محتملة تتسع أكثر من الاسترسال دائماً. يقول الشاعر فيحان الصابري: لا جاك مر الزمان وراح حلو الزمان الله يعينك على الدنيا وصكاتها اللي فهمها وجربها ما فيها ضمان لازم يواجه عقاربها وحياتها فقول الشاعر: لازم يواجه عقاربها وحياتها لم يبن لها تفصيلاً، وما هي عقاربها وحياتها، ولكنها واضحة للمتلقي الذي لديه تصور عن الحياة وعلاقات الناس، وما يجري في تلك الحياة من مصاعب، وتنافر وصداقة وعداوة وفقر وغنى ومرض وعافية، وسلم وحرب.. إلخ. ويقول الشاعر تركي العريدي: احذر تداني واحدٍ مايدانيك عيب على الرجال حب الزلايب مالله على حب الرديين حاديك عليك باللي يطلقون النشايب واحذر تذرى في ذرى ما يذريك ومارد عن وجهك سموم اللهايب واحذر تراخى لاتنهض معاديك النصر عند اللي يمد الوهايب فهذه أبيات بين مباشرة المعنى العام وبين الكناية والتشبيه بحيث يشارك المتلقي بفطنته. ويقول الشاعر عبدالله الطلحي: انا لي ثلاث ايام واليوم رابع يوم وأنا بين تفكيرٍ مشوش وخاطر عمس وفي كل يوم تزيد فوق الهموم هموم أعاني هموم اليوم وأقول ياهون أمس ولو تنشدوني جبت غير العلوم علوم لو إن الحقيقة واضحة مثل نور الشمس حدتني مراعاة الخواطر وخوف اللوم أكسر حسابي لين عشري تعود خمس فالمعنى هناك ليس مباشراً، إنما بين الغموض والخفاء، وكلها تجعل المتلقي ينطلق غير مقيد بإملاءات الشاعر وفرض تصوره، ولأن المتلقي له خياله الخاص الذي يختلف بالضرورة عن خيال الشاعر وتصوره يجدها فرصة لأن يستمتع بالتحليق في المعنى الذي تولد لديه غير المحدد ليجعل من خياله هو محيطاً مفتوحاً يبحر فيه. كما يقول الشاعر الطلحي أيضاً: اول شروط الصاحب الله يسلمك الصاحب اللي صحبته ترفع الراس إن شاف لك هفوة سترها وعلمك وإن شاف لك ميزة يعلم بها الناس فهنا يتضح المعنى مباشرة، فالصاحب الذي صحبته ترفع الرأس يعتز به صاحبه، ولا مجال لأن يتغير المعنى أو يضيق ويتسع، فالمطلب في الصداقة يشترك فيه الجميع تقريباً والشاعر يحدد نقطتين هما ستر الزلة ونشر الميزة. ويقول الشاعر قاعد بن سعد بن نيف: ياجعل زلة راعي الطيب تفداه كبوة خطأ ما كدرت بحر طيبه مادام فعل الطيب نهجه ومبداه ما نرخصه من شان زلة غريبة فهنا اتخذ أسلوباً مباشراً وضح معه المعنى مباشرة، وأما في أبيات أخرى فيقول: من لا يجرب بردها والملاهيب على الرخاء واللين ينعم شبابه يجهل لو إنه ناصف راسه الشيب مرعى الرخاء ما ينفع اللي رعى به فهنا لا يعطي المعنى المباشر رغم وضوح مراد الشاعر للكثيرين، لكنه يعطي مساحة أوسع لخيال المتلقي وتصوره، فميزة هذا الأسلوب الانفتاح الذي قد لا يتوفر في الأسلوب المباشر. والخلاصة أنه من المستحسن الجمع في القصيدة الواحدة بين الغموض والتصريح وبين المعنى المباشر وغير المباشر حتى لا يقيد معانيه وتقديمها حصرياً كما أراد فيحرم المتلقي من فرصة إعمال خياله. فيحان الصابري عبدالله الطلحي تركي العريدي