حددّت تصريحات وزراء الطاقة لدول اتفاق الخفض OPEC+ في اجتماع جدّة الأخير نهاية نقاط الارتداد التي يمكن للأسواق التحرك دونها، وأنه لا يتم التدخّل في إدارة سياسات الطاقة بالعالم إلا في حدود ضيقة تمنع حدوث أي ضرر بمستهلكي الخام ومنتجيه فعلى الرغم من عدم الخروج بقرار رسمي في ذلك الاجتماع - وهو الأصوب وفقاً لحالة أسواق النفط الراهنة - إلا أن تصريحات الوزراء رسمت ملامح السياسة النفطية التي سيتم السير عليها خلال النصف الثاني، وهي الجاهزية التامّة لأي سيناريو ستسير عليه أسواق النفط فالخيارات جميعها مفتوحة وقائمة لدى منظمة الأوبك وOPEC+، فحالة توصيف الأسواق النفطية إلى الآن لم تكتمل، وما زالت خيارات العوامل الجيوسياسية المؤثرة في أسواق النفط قائمة ومتوقعة دون تفضيل خيارٍ عن الآخر، أهمها التصعيد العسكري الأميركي في المنطقة ضد طهران، لا سيمّا أن الإدارة الأميركية الحالية أثبتت للعالم أنه يَصْعُب التنبؤ بخطوتها المقبلة، وأن الضربة العسكرية الأميركية واردة جداً ولا يمكن استبعادها، وهو الأمر الذي جعل جميع السياسات الإنتاجية في أسواق النفط بالعالم ممكنة ويمكن توظيفها حسب ما تحتاجه الأسواق للبقاء في منطقة التوازن المقبولة لكل من مصدري الخام ومستهلكيه. الموقف الحالي متداخل بشكل كبير (فيما يخص أسواق النفط) للدرجة التي تفقد فيها جميع التنبؤات اليقين، خلال تتّبع أساسيات أسواق النفط وإدراج جميع السياسات الإنتاجية المتوقع احتياجها، وهو ما تقوم به يقيناً منظمة OPEC برفقة منتجي الخام الحلفاء OPEC+، فالمعطيات المتوقعة لبناء سياسات إنتاجية مغايرة لم تكتمل، ولربما اتضّحت آثار عوامل التأثير في أسواق النفط مطلع النصف الثاني من العام الجاري 2019م كآثار خروج النفط الإيراني من الأسواق الذي لن يعكس أرقاماً حقيقية حال الالتفاف على العقوبات الأميركية وتصديره عن طريق التهريب، كذلك تراجع إنتاج النفط الفنزويلي وعدم اليقين بشأن النفط الليبي والمشكلة الروسية الطارئة (النفط الملّوث)، والأسواق النفطية إلى الآن ما زالت ضمن نطاق الاتزّان المعقول، ولكن الواضح عبر قراءة معطياتها أنها ستدخل إلى مرحلة التشديد على الفوائض بداية الربع الثالث، ولا مخاوف فعلية من نقص الإمدادات النفطية بالأسواق؛ لامتلاك OPEC+ قدرات إنتاجية كبيرة غير مستغلة، لحالة الالتزام الحالية بسياسات إنتاجية محددة يمكن تعديلها وفق ما تحتاجه أسواق النفط. اللافت في مستجدات الأسواق النفطية هو بدء ظهور آثار العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران، حيث أوضحت بيانات الصناعة النفطية أن صادرات إيران من النفط هبطت في شهر مايو الجاري بشكل كبير جداً لنحو 500 ألف برميل يومياً بفارق يقارب المليون برميل يومياً عن مستوى مجموع صادراتها النفطية البالغة نحو 1.463 مليون برميل يومياً، بواقع 613 ألف برميل يومياً إلى الصين و387 ألف برميل يومياً إلى كوريا الجنوبية و258 ألف برميل يومياً إلى الهند و108 ألف برميل يومياً اليابان و97 ألف برميل يومياً إلى تركيا، أي بإجمالي صادرات نفطية سابقة تبلغ 1.463 مليون برميل يومياً، وبذلك تتضّح بعض ملامح التغيّر في أساسيات السوق النفطية عبر إيران التي استغنت أسواق النفط عن صادراتها دون أي تأثير؛ لوفرة الإمدادات بالأسواق وتعهد أعضاء OPEC+ بتعويض أي نقص يحصل بالأسوق العالمية، وفي المقابل تأتي فنزويلا الخاضعة هي الأخرى للعقوبات الاقتصادية من قبل الإدارة الأميركية بمستويات إنتاجية متدنية عبر وتيرة تراجع متتالية ففي يناير بلغ إنتاجها 1.151 مليون برميل يومياً وفبراير 1.021 مليون برميل يومياً ومارس 732 ألف برميل يومياً وأبريل 768 ألف برميل يومياً، أي بمقدار تراجع في شهر أبريل الماضي بلغ مقداره 383 ألف برميل يومياً عن يناير للعام ذاته 2019م، فالتحديات أمام فنزويلا كثيرة وليست مقصورة على جانب العقوبات المفروضة عليها من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية وحسب، فلديها قصور تقني في القطاع النفطي، كذلك ليبيا لا تختلف كثيراً عن إيرانوفنزويلا حيث تعاني من توترات سياسية في البلاد ألقت معها المخاوف على القطاع النفطي ومعدلات الإنتاج فيه، مقرونة بحالة من عدم اليقين فيما يخصّ استمرارية إنتاج البلاد بوتيرة ثابتة نتيجة الصراعات التي طالت المنشآت النفطية هناك، إلا أن معدلات إنتاج النفط الليبي خلال الربع الأول من العام الجاري 2019م بالإضافة إلى شهر أبريل المنصرم يتمّ عن تحسّن واستقرار في معدلات إنتاج النفط، فقد كان إنتاج ليبيا في يناير الماضي 895 ألف برميل يومياً وفبراير 906 آلاف برميل يومياً، ليلامس بعدها سقف المليون ونيف في مارس حيث بلغ 1.098 مليون برميل يومياً وأبريل 1.176 مليون برميل يومياً، لذلك فأسواق النفط حالياً تفقد قرابة ال 1.4 مليون برميل يومياً قادمة من فنزويلاوإيران، مما يزيد من حالة التشديد على الفوائض النفطية بالأسواق العالمية (وليس شحّ الإمدادات)، كما أن جميع الخيارات متاحة دون أي ضغوط لمنظمة OPEC والأعضاء الآخرين OPEC+ لإدارة سياسة القدرات الإنتاجية غير المستغلة وفق معطيات الأسواق التي ستتضح بشكل أكبر كلّما تم الاقتراب من النصف الثاني للعام الجاري 2019م .