أنهت أسواق النفط تداولات الأسبوع الماضي وسط أجواء من الدعم لمؤشر الأسعار التي وصلت لأعلى نقطة لامسها خام الإشارة برنت منذ 13 نوفمبر 2018م عند 67 دولاراً للبرميل، رافق ذلك تكهنّات متفائلة من أوساط القطاع النفطي عن حالة الطلب العالمي على النفط، وقوتّه خلال الفترة المقبلة، ومن المؤكد أن حالات الدعم التي حظيت بها أسعار النفط خلال الأسبوعين الماضيين كان خلفها كعامل أساسي اتفاق الخفض النفطي بين الدول الأعضاء OPEC والمستقلّين بإجمالي خفض مفترض مقداره 1.195 مليون برميل يومياً وإجمالي إنتاج مفترض مقداره 43.874 مليون برميل يومياً من إجمالي إنتاج مرجعي أساس مقداره 45.069 مليون برميل يومياً، إلا أن اتفاق الخفض النفطي على الرغم من دعمه لأسعار النفط منذ بداية يناير الماضي، شَابَهُ بعض التباطؤ من قبل عدّة منتجين نتيجة عدم الالتزام بالمستويات الإنتاجية المتفق عليها مسبقاً، وهو الأمر الذي سيعمل بكل تأكيد على تأخير توازن الأسواق النفطية عن نهاية الربع الأول من العام الجاري 2019م إلى (بداية – منتصف) الربع الثاني من العام الجاري. تعاظم تأثير اتفاق الخفض النفطي.. والإرهاصات تسبق شحّ الإمدادات بالأسواق النفطية القراءة التقديرية للأسواق النفطية من خلال بيانات الأسواق لشهر يناير الماضي تشير إلى وجود تسرّب من اتفاق الخفض النفطي بمقدار تقريبي يبلغ 695 ألف برميل يومياً والتزام تقريبي لإجمالي الأعضاء يبلغ 1،010 مليون برميل يومياً، وكان لهذا المعدّل أن يتراجع كثيراً لولا وجود التزام تجاوز النصاب المحدد (+100 %) من قبل عدّة دول وهي أنغولا بزيادة خفض عن الحصة المقررة لها ب 65 ألف برميل يومياً والكونغو بزيادة خفض عن الحصة المقررة لها ب 5 آلاف برميل يومياً وغينيا الاستوائية بزيادة خفض عن الحصة المقررة لها ب ستة آلاف برميل يومياً، والكويت بزيادة خفض عن الحصّة المقررة لها ب 14 ألف برميل يومياً والمملكة العربية السعودية بزيادة خفض عن الحصة المقررة لها ب 98 ألف برميل يومياً، ومملكة البحرين بزيادة خفض عن الحصّة المقررة لها ب 22 ألف برميل يومياً، وبروناي بزيادة خفض عن الحصّة المقررة لها ب 28 ألف برميل يومياً، أما الالتزام المطابق لحصّة الخفض في الاتفاق فقد كان من قبل دولة واحدة فقط وهي سلطنة عُمان بنسبة التزام 100 % وبحصة خفض مقررة سلفاً عند 25 ألف برميل يومياً، أما الدول الأعضاء في الاتفاق التي قامت بخفض في معدلات الإنتاج إلا أنها لم تصل لمستوى الخفض المقرر لها، فهي الجزائر بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 16 ألف برميل يومياً من أساس الحصة المقررة لها عند 32 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب بلغ 16 ألف برميل يومياً وفقاً لمستوى إنتاج يناير الذي كان عند 1،041 مليون برميل يومياً، والإكوادور بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 9 آلاف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 16 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب بلغ 7 آلاف برميل يومياً وفقاً لمستوى إنتاج يناير الذي كان عند 515 ألف برميل يومياً، والإمارات العربية المتحدة بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 90 ألف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 96 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب 6 آلاف برميل يومياً وفقاً لمستوى إنتاج يناير الذي كان عند 3،078 ملايين برميل يومياً، وأذربيجان بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 16 ألف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 20 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب بلغ 4 آلاف برميل يومياً وفقاً لمستوى الإنتاج الذي كان عند 780 ألف برميل يومياً، وكازاخستان بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 32 ألف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 40 ألف برميل يومياً وبحج تسرّب بلغ 8 آلاف برميل يومياً وفقاً لمستوى الإنتاج الذي كان عند 1،868 مليون برميل يومياً، والمكسيك بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 17 ألف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 40 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب بلغ 23 ألف برميل يومياً وفقاً لمستوى الإنتاج الذي كان عند 2 مليون برميل يومياً، وروسيا بخفض فعلي في يناير بلغ حجمه 91 ألف برميل يومياً من أساس الحصّة المقررة لها عند 230 ألف برميل يومياً وبحجم تسرّب بلغ 139 ألف برميل يومياً وفقاً لمستوى الإنتاج الذي كان عند 11،330 مليون برميل يومياً، أما بقية الأعضاء في اتفاق الخفض النفطي (الغابون - العراق - نيجيريا - ماليزيا – السودان) فلم ترصد بيانات الإنتاج لهذه الدول في يناير الماضي أي مقدار خفض، بل تجاوزت حجم الإنتاج المقرر لها بعد التعديل من حجم إنتاجها الأساس، فالغابون بلغ حجم إنتاجها في يناير 193 ألف برميل يومياً وإنتاجها المرجعي بعد التعديل 181 ألف برميل يومياً بحجم تسرّب بلغ 12 ألف برميل يومياً، والعراق بلغ حجم إنتاجها في يناير 4،669 ملايين برميل يومياً وإنتاجها المرجعي بعد التعديل 4،512 ملايين برميل يومياً بحجم تسرّب بلغ 157 ألف برميل يومياً، ونيجيريا التي بلغ حجم إنتاجها في يناير 1،792 مليون برميل يومياً وإنتاجها المرجعي بعد التعديل 1،685 مليون برميل يومياً بحجم تسرّب بلغ 107 آلاف برميل يومياً، كذلك ماليزيا التي بلغ حجم إنتاجها في يناير 0،7 مليون برميل يومياً وإنتاجها المرجعي بعد التعديل 0،612 مليون برميل يومياً بحج تسرّب بلغ 88 ألف برميل يومياً، وأخيراً السودان حيث بلغ حجم إنتاجها في يناير الماضي 0،2 مليون برميل يومياً وإنتاجها المرجعي بعد التعديل 0،072 مليون برميل يومياً بحجم تسرّب بلغ 128 ألف برميل يومياً . وظلّ مؤشر الأسعار لخام الإشارة برنت مدعوماً خلال الأسبوع الماضي نحو ملامسة مستوى ال 67 دولاراً إلا أن حالات من التراجع طغت على الأسعار بين الفينة والأخرى بفارق سعري بسيط لا يتجاوز مقداره دولاراً واحداً وهي حالة أقرب للاستقرار منها إلى التذبذب، وبقراءة البيانات الخاصّة بمستويات مؤشر الأسعار لخام الإشارة برنت منذ بداية العام الجاري 2019م يأتي الأسبوع الثاني من شهر فبراير الجاري (11- 15) ليمثّل الأسبوع الأقوى دعماً لخام الإشارة برنت ضمن نطاق سعري تصاعدي بلغ 5 دولارات من مستوى ال 61 دولاراً إلى 66 دولاراً بنهاية الأسبوع ذاته، يليه الأسبوع الأول من يناير الماضي (1 - 5) حيث كان ضمن نطاق سعري تصاعدي بلغ 3 دولارات من مستوى ال 54 دولاراً إلى 57 دولاراً، وشكلّ الأسبوع الثاني والثالث والخامس ( 6 / 18يناير – 28 يناير/ 1 فبراير ) نطاقات تصاعدية بمقدار دولارين في كل أسبوع لخام الإشارة برنت، وفيما يخصّ الأسبوع الرابع (21 / 25) شهر يناير الماضي فقد شهد تراجعاً بمقدار دولارين، وذلك من مستوى ال 62 دولاراً إلى 60 دولاراً، أما الأسابيع الأقل تذبذباً (حالة استقرار) فقد شهدتها الأسواق النفطية خلال الأسبوع الأول (4 / 8) من شهر فبراير الجاري بوتيرة تراجع ضمن نطاقات سعرية ضيقة جداً بمقدار دولارٍ واحد، وذلك من مستوى ال 62 دولاراً إلى 61 دولاراً، ثم الأسبوع الثالث (18 / 22) فبراير الجاري الذي شهد وتيرة تصاعدية ضمن نطاقات سعرية ضيّقة جداً بمقدار دولارٍ واحد وذلك من مستوى 66 دولاراً إلى 67 دولاراً، إلا أن الأسواق أغلقت في نطاق ال 66 دولاراً، وبذلك يعد الأسبوع المنصرم أكثر الأسابيع استقرار لمؤشر أسعار خام الإشارة برنت. في المقابل انطلقت بداية العام الجاري 2019م حاملةً معها توقّعات البيوت الاستشارية والمصارف الغربية التي ما زالت تَرْزح تحت نِير المخاوف وعدم اليقين؛ جرّاء الهزّة التي لامست أسواق النفط خلال الربع الأخير من العام الماضي 2018م وتراجع مستويات الأسعار بشكلٍ كبير لتلامس قاع ال 50 دولاراً لخام الإشارة برنت في ال 26 من ديسمبر الماضي ضمن وتيرة تراجع سعرية تعدّ الأعلى خلال سنوات من مستوى ال 60 دولاراً في ال 14 من الشهر ذاته وفي غضون اثني عشر يوماً فقط، حيث بادرت تلك البيوت والمصارف إلى خفض توقعاتها لمتوسط أسعار النفط خلال العام الجاري 2019م ل 62 – 64 دولاراً لخام برنت، بيدَ أن واقع الأمر يعبّر عن هيمنة مطلقة للمخاوف على تلك التوقعّات، وإجحافٌ كبير نتيجة التأطير لعام كامل مليء بالكثير من المتغيرات الآنية والمستقبلية، وتجاهل للعوامل المؤثرة في أسواق النفط، وقد كان من الصواب اقتصارها على الربع الأول من العام الجاري 2019م ليس أكثر، فأسعار النفط منذ بداية يناير الماضي للآن في مرحلة تصاعدية تميل للاستقرار كلمّا ارتفعت أكثر، لذلك فإنه من المتوقّع أن تستمر الأسواق النفطية ضمن حالة من الاستقرار مقرونة بوتيرة تصاعدية لمؤشر الأسعار بقيّة الربع الأول من العام الجاري 2019م وقد تكون بنهايته ضمن نطاق 70 – 75 دولاراً لخام الإشارة برنت؛ إن لم تصطدم بعوامل تصعيد في الملف التجاري بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، فتأثير اتفاق الخفض النفطي بدأ بتعاظم دوره بشكلٍ جليّ منذ ال 11 من فبراير الجاري مدعوماً بعوامل أخرى كإعلان السعودية عن خفض إضافي في مارس المقبل، كذلك زيادة نسب الالتزام باتفاق الخفض النفطي من قبل الدول الأعضاء فيه من داخل وخارج منظمة OPEC الذي بدأ العمل به مطلع العام الجاري، فيما يمثّل الربع الثاني من العام الجاري المرحلة الأشد ضبابية لأسواق النفط وإن وصلت لمرحلة التوازن كما يتوقّع كبار صنّاع السياسة النفطية بالعالم، وذلك لثلاثة عوامل مهمّة منها أن الربع الثاني (أبريل القادم) هو الفترة المحددة لنهاية الإعفاءات الممنوحة للدول المستوردة للنفط الإيراني، مع وجود حالة من عدم اليقين في أسواق النفط حيال القرارات التي ستتخذها الإدارة الأميركية بشأن ذلك، على الرغم من تصريحات برايان هوك ممثل الولاياتالمتحدة الأميركية الخاص لدى إيران منتصف يناير الماضي الذي أكدّ أن الإدارة الأميركية لا تنظر في منح أية إعفاءات أخرى فيما يخصّ النفط الإيراني، والعامل الآخر بروز آثار العقوبات المفروضة من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية على فنزويلا وأخيراً نهاية فترة العمل باتفاق الخفض النفطي بنهاية يونيو المقبل، وهو ما ينبئ عن وجود مخاوف من حدوث فجوة في الإمدادات النفطية نتيجةً لذلك، لذلك فالربع الثاني القادم يحمل تلك المخاوف المتعلقة بشحّ الإمدادات، وهو ما سبق أن عبّر عن قلقه نتيجةً لذلك وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بداية العام الجاري، وأكدّ على ذلك مرةً أخرى في ال 20 من فبراير الجاري.