أغلقت أسواق النفط تداولات الأسبوع السابع عشر من العام 2019م لشهر أبريل على ثاني أكبر تباين سعري أسبوعي بمقدار أربعة دولارات لخام الإشارة برنت؛ نتيجة حالة التصعيد في العوامل الجيوسياسية التي انطلقت بداية الأسبوع الماضي تجاه صادرات النفط الإيرانية التي واجهت حدّة عالية في لغة الإدارة الأميركية حيال التمسّك بإنفاذ عقوبات حظر تصدير النفط الإيراني وعدم منح أو تجديد أي إعفاءات أخرى لمستورديه، وذلك عقب الإعفاءات التي تم منحها في 4 نوفمبر 2018م من قبل الإدارة الأميركية لمدة 180 يوماً فقط لكلٍ من (الصين - اليابان - الهند - كوريا الجنوبية - تايوان - إيطاليا - اليونان - تركيا) وهو الأمر الذي دفع بعض الدول المستوردة للنفط الإيراني خلال فترة الإعفاء إلى بحث البدائل الممكنة وعدم المخاطرة في هذا الأمر والاعتماد على نفط إيران بشكل كبير؛ كي لا تكون تحت طائلة العقوبات الأميركية حيث أظهرت المعلومات الواردة من هيئة الجمارك الكورية عدم استيرادها لأي نفط إيراني في شهر ديسمبر الماضي للعام 2018م، وصعدت أسعار خام الإشارة برنت خلال الأسبوع الماضي من مستوى ال71 دولاراً للبرميل إلى أن اعتلت ال75 دولاراً، إلا أنها ظلّت ضمن حالة استقرار أسبوعية حول 74 دولاراً وسط مخاوف الأسواق جرّاء القرار الأميركي بحظر صادرات النفط الإيرانية بالإضافة إلى الدعم السابق جرّاء مخاوف شحّ الإمدادات النفطية العالمية، إلا أن الأسعار بنهاية الأسبوع الماضي سرعان ما تراجعت لمستوياتها السابقة التي تعكس أساسيات الأسواق النفطية، ساعد على ذلك عوامل تهدئة المخاوف عبر تصريحات وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي المهندس خالد الفالح التي أكدّت توفّر الإمدادات النفطية، وألاّ مخاوف فعلية جرّاء انقطاع صادرات النفط الإيرانية وأن السعودية ستقوم بالتنسيق مع منتجي الخام (من داخل وخارج OPEC) بما يكفل الوفرة النفطية اللازمة للأسواق العالمية، فما تعكسه أوساط الصناعة النفطية العالمية هي وحدة الصف والقرار تجاه جميع حالة الاختلال التي تمر بها الأسواق، حيث تواترت التصريحات من قبل الدول المنتجة للخام (العراق وروسيا) بأن الأسواق تمتلك القدرة على تعويض نقص صادرات الخام الإيرانية وألا مخاوف فعلية في المديين القريب والمتوسط من نقص الإمدادات النفطية بالأسواق العالمية، وان أي إجراء مستقبلي يتعلّق بسياسة الإنتاج النفطية سيكون جماعياً وليس أحادياً. وتظل أسواق النفط وفقاً لأقوى المؤثرات العاملة فيها في حالة تماسك قوّية تميل إلى الاستقرار بوتيرة صعود سعرية بطيئة وثابتة لخام برنت؛ بفعل تعاظم تأثير اتفاق الخفض النفطي وهو المسار المتوقع للأسواق بقية الربع الثاني الجاري يرافقه تراجع في حجم الإمدادات النفطية بالأسواق، حيث يخفف من وطأة تأثيره على الأسواق تعهد منتجي الخام بضخ الإمدادات اللازمة متى دعت الحاجة إلى ذلك، كما أن موعد اجتماع أعضاء اتفاق الخفض النفطي OPEC+ نهاية شهر يونيو القادم يعدّ توقيتاً مناسباً جداً لمراجعة سياسة الإنتاج النفطية وفق معطيات أسواق النفط العالمية، فإلى الآن لا زالت الصورة غير مكتملة بالقدر الذي يساعد على اتخاذ القرارات المناسبة (لا سيمّا الجدّية الكاملة لقرار الإدارة الأميركية تجاه صادرات طهران النفطية)، والأمر بحاجة إلى المزيد من الوقت كي يتمّ تعيين السياسة الإنتاجية المناسبة التي تتفق ومعطيات الأسواق النفطية من حيث تقدير حجم التعويضات جرّاء خروج كل أو جزء من القدرة الإنتاجية لبعض الدول، فأبرز المؤثرات حالياً في الأسواق هي اتفاق الخفض النفطي وتعثّر الإمدادات من قبل بعض منتجي الخام كإيران وفنزويلا، فما تشهد أسواق النفط يعدّ تداخلاً كبيراً للعديد من العوامل المتضادة والمؤثرة، مما يصعّب عملية الجزم بالتنبؤات حيال مستقبلها وأقرب وصفٍ لذلك ما قاله المهندس خالد الفالح في مارس الماضي «لو نظرتم لفنزويلا وحدها ستشعرون بالفزع وإذا نظرتم إلى الولاياتالمتحدة ستقولون إن العالم يعجّ بالنفط، عليكم النظر إلى السوق ككل»، لذلك يستلزم الأخذ بجميع معطيات الأسواق العالمية وقياس تأثيرها؛ كي يتم الوصول إلى قرارات سليمة وغير متعجّلة، كملف العقوبات الإيرانية الذي لا زال بحاجة إلى إيضاح جدّية الإدارة الأميركية في الإيقاف التام للصادرات الإيرانية أو أنه سيتم تقديم استثناء لبعض الدول كإعفاءات جديدة مؤقتة لاستيراد النفط من طهران، ولن يتضّح إلا بمرور شهري مايو ويونيو القادمين، وهو الأمر الذي يؤهل الأسواق لمساري توقعّ بقية النصف الأول من العام الجاري 2019م، فإيقاف الصادرات الإيرانية سيعجّل وتيرة تصاعد الأسعار بقية الشهرين القادمين لحين اجتماع OPEC+ في يونيو، أما منح الإعفاءات فيعكس استمرار الأسواق ضمن وتيرتها الحالية، وبكل الأحوال فليس هنالك تغييرات جوهرية في أسواق النفط فالإمدادات متوفرّة، وOPEC في جاهزية تامّة للحفاظ على اتزّان الأسواق العالمية، والحفاظ عليها ضمن حالات مستقرّة ومقبولة للمنتجين والمستهلكين ومحفزّة للاقتصاد العالمي.