مثّل الربع الجاري من العام أعلى نسبة اضطراب في العوامل (غير الأساسية) المؤثرة بأسواق النفط العالمية، يرافقه تحرك عكسي بطيء لعاملي العرض والطلب التي بدأت الولوج لمناطق الاتزان المقبولة بداية أبريل الماضي ولازالت إلى الآن، إلا أن تركيز الأسواق النفطية على المخاوف القادمة من متغيرات العوامل غير الأساسية زاد من ضبابية الأسواق وتوقعات مسارها في المديين القصير والمتوسط، فالحالة الآنية لأوساط الصناعة النفطية تعكس ضبابية عالية زادت حدّتها خلال الأسبوعين الماضيين؛ نتيجة تنامي المخاوف من تأثير النزاع بين قطبي التجارة بالعالم (الصين وأميركا) على نمو الاقتصاد العالمي. وجاءت تداولات الأسبوع الماضي في أسواق النفط امتداداً لمسار الاستقرار التي غلب عليها منذ مطلع العام الجاري، إلا أنها افتقدت المسار التصاعدي للأسعار نتيجة عوامل الضغط عليها، وظلّت ضمن نطاق سعري (69- 70) دولاراً لخام الإشارة برنت، حيث يعدّ النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة من أهم العوامل المؤثرة في أسواق النفط منذ مطلع العام الجاري، إلا أن حدّة التأثير تراجعت قليلاً خلال الربع الجاري؛ لطول مدة النزاع وحجم مرونته بين البلدين، ما يجعلها مناورة اقتصادية أكثر منها حرباً، وبالتدقيق في العوامل الأساسية لأسواق النفط يتضّح أن حجم الفوائض النفطية بحسب أوساط الصناعة العالمية بلغت في الربع الأخير من العام الماضي 2018م 2.3 مليون برميل يومياً يقابلها عجز في الربع الجاري يبلغ 0.2 مليون برميل يومياً، أي أن الأسواق النفطية أشد بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً، كما تم تقديرها أيضاً ب2 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من العام الجاري 2019م إلا أن هذه القراءة تحتاج إلى المزيد من التدقيق لعدّة اعتبارات، أهمها أن اتفاق الخفض النفطي OPEC+ منذ بدء العمل به مطلع يناير الماضي عمل على زيادة شدّة الأسواق والتأثير فيها إلا أن نسب الالتزام (المنتجين من خارج أوبك) لم تكن 100 %، ما عمل على تأخير تقليص الفوائض النفطية واتزّان الأسواق كما كان متوقعاً في الربع الأول من العام الجاري، إلا أن الأسواق لم تصل لمرحلة الاتزان المقبولة إلا في الربع الجاري من العام، حيث بلغ حجم التسرّب من الاتفاق في يناير الماضي 695 ألف برميل يومياً وفبراير 663 ألف برميل يومياً ومارس 556 ألف برميل يومياً، ما قد يرفع فائض الأسواق العالمية لقرابة ال 2.5 مليون برميل يومياً خلال النصف الجاري من العام، يقابله عجز في الإمدادات النفطية يبلغ قرابة ال475 ألف برميل يومياً بسبب العقوبات المفروضة على فنزويلاوإيران اللتين سجلتا تراجعاً في معدلات الإنتاج في الربع الأول من العام الجاري، فقد فقدت فنزويلا 419 ألف برميل يومياً ما بين يناير ومارس الماضيين، ففي يناير سجلت إنتاجاً عند 1.151 مليون برميل يومياً ومارس عند 732 ألف برميل يومياً، وفقدت إيران ما بين يناير ومارس 56 ألف برميل يومياً ففي يناير كان إنتاجها عند 2.754 مليون برميل يومياً ومارس 2.698 مليون برميل يومياً، إلا أن ذلك لا يبعث على المخاوف الحقيقية في الأسواق، لوجود الوفرة في الأسواق يرافقها النفط الصخري الأميركي الذي يسجّل مستويات قياسية في معدلات الإنتاج كما أن هذه المؤشرات بخلاف الإنتاج الأميركي لا يمكن البناء عليها بمطلقها لمستقبل أسواق النفط أو قياس قرارات سياسة الإنتاج وفقاً لها، فإيران ستتّجه لبيع نفطها بالتهريب أو الطرق الأخرى التي اعتادت عليها، لذلك فلن يتم تضمين الإنتاج الإيراني ضمن أدوات قياس معطيات الأسواق النفطية خلال الاجتماع الرابع عشر للجنة المراقبة الوزارية المقرر عقده بمدينة جدة مايو الجاري لبناء سياسات إنتاجية جديدة للنصف الثاني من العام، ويأتي هذا الاجتماع في وقت لا تشهد فيه أسواق النفط تغيرات كبيرة، لذلك فالخيارات التي ستكون مطروحة أمام الدول المنتجة OPEC+ في اجتماع يونيو المقبل متعددة منها الإبقاء على سياسة الإنتاج كما هي دون تغيير، أو تخفيف القيود المفروضة بشكل طفيف وكل هذه الاحتمالات واردة لا سيما أن صناعة النفط العالمية لا تشير إلى حدوث أي تغيرات جوهرية في الأسواق خلال الربعين الثاني والثالث من العام، وأنها إلى الآن ضمن مرحلة استقرار مقبولة، ومع ذلك ينبغي الحذر فنسبة المخاطر بالأسواق عالية من حيث توصيف حالة الاتزّان، خصوصاً مع المستجدات التي طرأت على الأسواق بخصوص النفط الروسي الملوث بخط أنابيب دروجبا المتجه للقارة الأوروبية، فقابلية الأسواق حالياً مهيأة للتفاعل مع أي اختلال للعوامل المؤثرة فيها، وهو الأمر الذي تدركه OPEC تماماً خلال متابعتها لمستجدات الأسواق منذ مطلع العام الجاري 2019م، حيث عكست تصريحات كبار منتجي الخام فيها الجاهزية التامّة للتعامل مع أي خلل قد يطرأ على أسواق النفط. أنابيب النفط التي تنقل النفط الخاص السعودي إلى سفن الشحن في ميناء رأس تنورة