الذنب جزء لا يتجزأ من تركيبة الإنسان، وهو مؤشر للنقص التركيبي فيه، والذي ينتزع منه مفهوم الكمال المطلق، فكلما شعر الإنسان بأنه كامل أصاب ذنباً ليعيده لمكانه الطبيعي. وفي الحديث (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) وقد أوثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لو للذنوب رائحة ما تبعني أحد. ومن أسماء الله تعالى أنه «الغفور» و»التواب» وكل ذلك منوط بأنه تعالى يعلم أن العباد عرضة للذنب، من هنا يتبين أن الذنب ليس أمراً خارقاً للعادة وإنما هو أحد عناصر التركيبة الإنسانية. ولكن تم تحويل مفهوم الذنب من كونه جزءاً من الإنسان إلى عقدة حرمته مضجعه وحرمته حتى من الاستمتاع بالحلال الصرف خوفاً من الوقوع في الحرام تحت دائرة «درء المفاسد» أو «اتقوا الشبهات»، ولقد كان للصحوة دور كبير في ترسيخ مفهوم عقدة الذنب وجعلوا لفظة «ذنب» مرتبطة بالجريمة لا يكفره أحياناً إلا الاستشهاد في سبيل الله حتى يتخلص الفرد من عقدة الذنب. ومن الجوانب التي أثارتها فترة الصحوة أنها رسّخت في العقول لأجيال متعاقبة أن من يفتي بالحرام دائماً هو عالم رباني، وإمام زمانه، وورع في دنياه وشيخ عصره، ومن أجل ذلك عمد الكثير - ممن يدعون أنفسهم طلبة علم - إلى الإكثار من فتاوى التحريم والتضييق على الناس فبذلك يصبح لهم حظوة اجتماعية وثقة بعلمهم وورعهم من قبل المجتمع، وعلى النقيض من ذلك نجد من يسهل على الناس في الفتاوى ويسهل دين الله للناس يتهم دائماً بأنه قد باع دينه بعرض من الدنيا، أو أنه يدعو لتمييع عرى الدين، حتى إن البعض قد تنبأ عن من يسهل للناس دينهم بأنهم لن يستطيعوا أن يثبتوا أمام منكر ونكير. ومثل هذه الشوائب التي علقت بالأذهان لأجيال لا يمكن انتزاعها بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى ما يسمى أحياناً ب»قانون الإزاحة» وهو قانون التعديل الجذري التي تسعى قيادة هذا البلد - حفظها الله - به إلى إحلال مفهوم الإسلام الوسطي، الإسلام الذي أتى ليس لينغص على الناس معاشهم بل أتى لإعادة ترتيب مفهوم الحياة، الإسلام الوسطي الذي لا ينظر إلى الإنسان أنه من ملائكة السماء منزه من كل عيب، بل هو بشر ينتابه الذنب والخطأ، وأبواب التوبة مفتوحة له ما دامت الشمس تشرق وتغرب، إنه الإسلام الوسطي الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم مبشراً وليس منفراً.. هو الإسلام الذي لا يجعلك تفرق بين الناس وفق مفهوم متدين وغير متدين، ووفق ملتزم وغير ملتزم، ووفق متبع ومبتدع، وإنما هو الإسلام الذي جعل محمداً صلى الله عليه وسلم يقف حينما مرت به جنازة فقيل له: إنما هي جنازة يهودي، فقال: أو ليست نفساً.! هو الإسلام الوسطي الذي أمر الإنسان أن يلتفت لنفسه كثيراً ولا ينشغل بمصير الناس في الآخرة لأن مرجع الحكم هناك لله، هو الإسلام الذي أمرك أن تتعلم وتقرأ كثيراً ووهبك العقل لتفكر ولتتأمل في الكون ليزداد إيمانك، ولا تتأمل البشر فتصنفهم حسب أهوائك ومزاجك..