أسهم الدور الرقابي والتنظيمي للمملكة في نجاح اتفاق الخفض النفطي OPEC+ والعودة بالأسواق النفطية إلى مناطق الاتزان المقبولة وذلك بنهاية الربع الأول من العام الجاري 2019م، فمنذ منتصف يناير الماضي والدور الذي يقوم به معالي المهندس الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية يتصّف بالدور التنظيمي المحفّز لزيادة نسب الامتثال بين الدول الأعضاء في الاتفاق من داخل وخارج منظمة OPEC، كذلك كان دوره واضحاً في بثّ التطمينات بشأن تعافي الاقتصاد العالمي والمخاوف التي تعتري الأسواق النفطية بين الفينة والأخرى بسبب ذلك، وقد تجلّت كل تلك الأدوار القيادية في نتائج الأسواق المرضية بنهاية الربع الأول من العام الجاري، وصعود أسعار خام الإشارة برنت لمستوى ال70 دولاراث صعوداً من مستويات سعرية متدنية عند 54 دولاراً للبرميل في الأول من يناير الماضي، فالقناعة التامّة التي غذّت بها المملكة أسواق النفط والمنتجين حيال الاتفاق النفطي وأنه في المسار الصحيح ولّد المزيد من الامتثال بين الدول الأعضاء في الاتفاق، ما أعطى الأسواق مساراً مثالياً ومحفزّاً طيلة الربع الماضي وإلى الآن، فعلى الرغم من حالة الضغط التي تعرّضت لها الأسواق النفطية منتصف يناير الماضي جرّاء المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، إلا أن نمو معدلات الامتثال بين الدول الأعضاء في الاتفاق تغلّبت على تلك المخاوف وحال دون تقهقر الأسعار، فالدور السعودي كان واضحاً في بثّ الأجواء الإيجابية بداخل الأسواق وحثّ المنتجين على رفع نسب الامتثال في الخفض، وهو ما حدث بالفعل فروسيا رفعت معدل الخفض الفعلي من 91 ألف برميل يومياً في شهر يناير الماضي إلى 121 ألف برميل يومياً خلال مارس الماضي وذلك من إنتاجها المرجعي الكائن عند 11.421 مليون برميل يومياً، والجزائر رفعت معدل الخفض الفعلي من مستوى 16 ألف برميل يومياً في يناير الماضي إلى 31 ألف برميل يومياً في فبراير، كذلك الكويت رفعت معدل الخفض لديها من 99 ألف برميل يومياً في يناير إلى 100 ألف برميل يومياً في فبراير، والإمارات العربية المتحدة رفعت معدل الخفض لديها من 90 ألف برميل يومياً في يناير إلى 96 ألف برميل يومياً في فبراير، والمكسيك استطاعت رفع مستوى امتثالها بشكل كبير جداً وذلك من مستوى خفض فعلي خلال يناير الماضي عند 17 ألف برميل يومياً إلى 117 ألف برميل يومياً في فبراير، كما أن هنالك أبعاداً أخرى يمكن من خلالها قياس أداء الدول الأعضاء وإن لم تستطع ملامسة الحصص المخصصّة لها، إلا أنها بالفعل تسجّل تقدماً مؤثراً في اللحاق بالأعضاء الآخرين، فالعراق سجلّت تراجعاً ملموساً في حجم التسرّب المسجل في إنتاجها حيث كان في شهر يناير الماضي 157 ألف برميل يومياً، ثم تراجع في فبراير إلى 121 ألف برميل يومياً، كذلك الحال فيما يخصّ نيجيريا فقد سجّلت في شهر يناير الماضي حجم تسرّب مقداره 107 آلاف برميل يومياً ثم تراجع هذا الرقم بشكل كبير في فبراير إلى 56 ألف برميل يومياً. في المقابل لم تكن الفوائض النفطية العقبة الوحيدة التي تعيق اتزّان الأسواق، فقد مثّلت الأزمة الفنزويلية أحد العوامل الجيوسياسية الطارئة على الأسواق خلال الربع الأول، إلا أن السعودية أحسنت التعامل مع الأمر، بقراءة متأنية تمخضّت عن قرار يمثّل OPEC+ على لسان الوزير الفالح نهاية يناير الماضي بعدم الحاجة إلى اتّخاذ أي إجراءات إضافية بسبب الأوضاع في فنزويلا، وكان قراراً صائباً فقد استمرت الأسواق النفطية ضمن وتيرة تصاعدية متزنة وهادئة لم تسجّل الأسعار فيها أي اضطرابات مفاجئة أو تغيرات كبيرة، كما أن السياسية التي انتهجتها منظمة OPEC تجاه عوامل الضغط الخارجية كانت مجدية، فقد توالت الانتقادات طيلة الربع الأول كذلك إعادة ملف "نوبك" إلى السطح مرة أخرى، إلا أن المنظمة اكتفت بإيضاح وجهة نظرها التي تشير إلى جهودها المتتالية الهادفة للحفاظ على اتزّان الأسواق النفطية وبالتالي المصالح المشتركة بين منتجي الخام ومستهلكيه التي تتحققّ عند وجود سوق متزنة ومحفزّة لنمو الاقتصاد العالمي، فقد أشارت تصريحات معالي الوزير الفالح نهاية فبراير الماضي إلى منظمة OPEC "تأخذ الأمور ببساطة" وذلك خلال ردٍ على تغريدات الرئيس الأميركي المتتالية التي تنتقد المنظمة؛ لذلك جاءت تصريحات الوزير السعودي خلال الربع الماضي محفزّة للأسواق النفطية من جهة، وحاجز صدٍ لعوامل الضغط الخارجية التي شكلّت ضغطاً على المنظمة ودورها المتواصل في إعادة توازن الأسواق النفطية منذ مطلع يناير الماضي، إلا أن هذا الدور قد حقق نجاحاً كبيراً في إعادة مستويات الأسعار من قاع الخمسينات الذي كانت تدور حوله نهاية الربع الأخير من العام الماضي 2018م (25 ديسمبر) إلى بداية الربع الأول من العام الجاري (8 يناير).