أنهت منظمة OPEC الربع الأول من العام الجاري 2019م بنجاح كبير في إدارة أسواق النفط، وإعادتها إلى نطاقات الاتزّان المقبولة على الرغم من الحاجة المهمة لمواصلة العمل بمقتضى اتفاق تحالف المنتجين الذي يعمل بمستوى خفض يومي مقداره 1.2 مليون برميل منذ مطلع يناير الماضي، حيث كان هذا الدور الذي قام به OPEC+ من أهم العوامل المؤثرة في أسواق النفط وأسعارها، حيث استطاع تحالف المنتجين رفع أسعار النفط من 54 دولاراً لخام الإشارة برنت إلى متوسط الأسعار في الأسبوع الماضي عند 67.69 دولاراً، حيث جاء الأسبوع المنصرم امتداداً لحالة الاستقرار (في مؤشرات الأسعار) التي تمر بها الأسواق منذ منتصف شهر فبراير الماضي، حيث ما زالت أسعار خام برنت تدور ضمن نطاق (66 - 68) دولاراً للبرميل، مما يعكس ثقل التأثير على الأسواق من قبل أعضاء اتفاق الخفض على الرغم من بروز المخاوف - وما زالت - من تأثير بعض العوامل الأخرى في أسواق النفط، كمسار المفاوضات بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين، كذلك الإنتاج الصخري الأميركي (عامل مؤثر ضمن أساسيات الأسواق)، ويظل الدور القيادي السعودي في إدارة الاتفاق ركيزة مهمة دعمت اتفاق الخفض النفطي بشكل كبير، فالمملكة تتمتّع بمرونة عالية تجاه تقلبّات أسواق النفط وأسعاره وذلك لمعايشتها العديد من الأزمات، آخرها الأزمة التي انطلقت بداية شهر نوفمبر الماضي للعام 2019م، والتي تسببّت في اختلال موازين العرض والطلب على النفط بأسواق العالم، وككل الأزمات التي تعتري الأسواق النفطية تأخذ المملكة على عاتقها مهمة تقريب وجهات النظر فيما بين منتجي الخام على مستوى العالم، كما قامت بتأصيل مشاركة منتجي الخام من داخل وخارج منظمة OPEC في دور المنتج المرجّح؛ لتحقيق توازن أسواق النفط، فالدور السعودي هو دور قيادي فعّال في إدارة أسواق النفط وقد حقق نجاحات متتالية من خلال المشاركة الجماعية لإدارة الأزمات والخروج خلال فترات وجيزة بنتائج متزّنة وناجحة، حيث أسهمت في العديد من القرارات لمنظمة OPEC التي كان لها دور بارز في عودة الأسواق نحو نطاقات متزّنة وإيجابية لمصدري الخام ومستهلكيه ولنمو الاقتصاد العالمي بوجهٍ عام، وتحييدها عن المخاطر التي تنجم عن زيادة الفوائض النفطية أو شح الإمدادات، بالإضافة إلى الاحتفاظ بمؤشرات أسعار النفط في مستويات مشجّعة للاستثمارات بالقطاع النفطي، والعمل وفقاً لمعطيات الأسواق التي تتقلّب بين الفينة والأخرى بمرونة عالية تتفقّ وحجم تأثير المؤثرات التي تطرأ على الأسواق العالمية، كما أن هذا الوجود للدور السعودي كقائد لقطاع النفط كان وما زال عامل أمان للأسواق من أي مخاوف تجاه الإمدادات، من ذلك القرار الأخير بخفض الإنتاج الذي تم التوصّل إليه نهاية ديسمبر الماضي بجهود تنسيقية كبيرة من قبل المملكة العربية السعودية بقيادة وزير طاقتها المهندس خالد الفالح، وقد أثنى على تلك الجهود وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، حيث أوضح القدرة العالية لنظيره المهندس الفالح في توحيد صفوف المنتجين لمعالجة اختلالات الأسواق النفطية. غيرَ بعيدٍ من ذلك يأتي الربع الثاني من العام الجاري والأسواق النفطية قد امتثلت للتعافي بشكل كبير مقارنة ببداية الربع الأول - للعام ذاته - فإلى منتصف فبراير الماضي كانت ملامح الربع الثاني غير واضحة تلفّها الضبابية إلى حدٍ كبير، إلا أن معطيات شهر مارس الجاري ساعدت إلى حدٍ ما على استيضاح مسار الأسواق النفطية في الربع الثاني من العام الجاري، حيث أسهمت مخرجات الاجتماع الثالث عشر للجنة المراقبة الوزارية في "باكو" لأعضاء OPEC+ على تأكيد بقاء عامل اتفاق الخفض كأحد المؤثرين في الأسواق إلى يونيو، مما يعزز أجواء الارتياح بداخل أوساط الصناعة النفطية، لا سيمّا أن المفاوضات القائمة بين الجانبين الأميركي والصيني لم تصل إلى تسوية، وهو الأمر الذي يدفع التوقعات إلى القول إن أسعار النفط ستظلّ ضمن مستويات (66 - 69 ) دولاراً لخام برنت، كما أنه من المؤكد أن ملف العقوبات الإيرانية لن يكون ذا تأثير ملحوظ على أسعار النفط خصوصاً أن الإدارة الأميركية بدأت بفتح ملف الإعفاءات من العقوبات المفروضة على طهران، فقد حظي العراق بإعفاء لمدة 90 يوماً لشراء واردات الطاقة من إيران لإنتاج الكهرباء في العراق، وستنحصر أهم العوامل المؤثرة بأسواق النفط في الإنتاج الصخري الأميركي ومستويات النمو في الاقتصاد العالمي، فقد شكّلت خلال الربع الأول من العام ضغطاً متواصلاً على الأسواق النفطية، إلا أنها ستكون أكثر تماسكاً في هذا الربع من العام عن سابقه لاستمرار دعم الخفض وتعاظمه، ما ينبئ عن استمرار لاستقرار أسواق النفط بقية النصف الأول من 2019م، حيث إن نهايته ستشهد قراراً من قبل حلفاء الخفض من داخل وخارج OPEC، فالنصف الثاني هو الجزء الأصعب قراءة في هذا العام.