أعادت تأكيدات الوفرة النفطية من قبل كبار منتجي الخام بالعالم الأسواق إلى حالة الاستقرار التي طغت عليها منذ مطلع العام الجاري، عقب حالة من المخاوف سيطرت على الأسواق جرّاء عقوبات النفط الإيراني، حيث أغلقت أسواق النفط تداولات الأسبوع الثامن عشر للعام الجاري 2019م الذي غلب عليه حالة استقرار عكست في الجانب الأكبر منها تأثير أساسيات الأسواق النفطية المدعومة بشكل رئيس من سياسية الإنتاج المعمول بها من قبل أعضاء اتفاق الخفض النفطي OPEC+ حيث ظلّت أسعار خام الإشارة برنت تدور حول 70- 72 دولاراً للبرميل طيلة الأسبوع الماضي وذلك كعودة لنطاق الاستقرار الطبيعي لوضع الأسواق النفطية، عقب المخاوف التي اعترت أوساط الصناعة خلال الأسبوع السابع عشر، ولا يمكن بأي حال توصيف الفوارق السعرية ما بين الأسبوع الماضي وسابقه ب»التراجع» كما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، ويمكن تفسير ذلك بعودة الأسعار لنطاقها الصحيح الذي تعكسه أساسيات الأسواق عقب موجة تصاعدية تلت الإعلان الأمريكي بوقف استثناءات النفط الإيراني مدعومة بمخاوف تأثر الإمدادات النفطية، كما أن المستويات السعرية التي ظلّ خام برنت يدور حولها خلال الأسبوع الماضي لا تعكس أي تأثير واضح من قبل العوامل الجيوسياسية أو مخاوف الأسواق، فتأكيدات كبار منتجي الخام بالعالم (السعودية وروسيا) أزالت جميع المخاوف المتعلقة بتأثر الإمدادات النفطية عقب قرار الإدارة الأميركية بإيقاف الاستثناءات التي منحها نوفمبر الماضي 2018م لمستوردي النفط الإيراني، ويعدّ الموقف الإيراني حرجاً للغاية لعدّة أسباب تختصّ بقطاع النفط الإيراني الذي يعاني من تدنٍ كبير في مستويات الإنفاق على تحديثه خصوصاً أن نصف إنتاج البلاد يأتي من حقول نفطية تجاوز عمرها ال70 عاماً، كما أن العقوبات الدولية المتعاقبة على إيران أسهمت إلحاق ضررٍ واسع بقطاع الطاقة، فقد فقدت طهران في العام 2011م استثمارات دولية في قطاعها النفطي تقدّر ب60 مليار دولار ولا زالت إلى اليوم في مرمى نيران العقوبات الدولية المفروضة عليها، وهو الأمر الذي سيزيد من وطأة أثر العقوبات عليها بشكل عام وقطاعها النفطي على وجه الخصوص مهما حاولت البحث عن ثغرات تساعدها على بيع نفطها إما بالتهريب أو بالطرق الملتوية الأخرى فالتخفيضات التي ستقدمها على نفطها ستكون كبيرة للحد الذي يغري العملاء بشراء نفطها، وبالتالي تدني المردود المالي الذي لن يكون مؤهلاً لتحقيق الكثير، وعجز دفع فواتيرها لا سيمّا الخارجية. بيدَ أن المؤشرات الحالية تنبئ عن استمرارية مسار أسواق النفط خلال الفترة القادمة (لنهاية يونيو القادم) ضمن وتيرته الحالية المستقرة، وبقاء أسعار خام الإشارة برنت ضمن حدود 70-75 دولاراً للبرميل؛ لعدّة مؤشرات من عدم وجود أو حدوث متوقّع لأي تغيرات جوهرية في الأسواق خلال تلك الفترة، يرافقه حالة استقرار لدى بعض الدول المنتجة التي تعاني من حالات توتّر ومخاوف تجاه أمن الإمدادات النفطية بين الفينة والأخرى، كليبيا التي من المتوقع أن تشهد استقراراً في معدلات إنتاجها من النفط خلال الفترة القادمة بحسب أوساط الصناعة، ودولة جنوب السودان التي أعلنت خلال الأسبوع الماضي على لسان وزير النفط في البلاد إزيكيل لول جاتكوث أن عمليات تصدير النفط مستمرة ولا يواجه أي مشاكل حالياً، كما يظل اتفاق الخفض النفطي OPEC+ يعمل كأهم مؤثر في الأسواق منذ بداية العام الجاري 2019م، مع ثقة الأسواق النفطية في الدور الذي تقوم به منظمة OPEC والمرونة التي تبديها في التعامل مع متغيرات الأسواق النفطية كخفض الفوائض أو تأمين الإمدادات وزيادتها، وامتداداً لذلك يظلّ النصف الثاني من العام الجاري الوقت الأكثر حاجة لمبادرة OPEC للتعامل مع معطيات الأسواق النفطية حينذاك، حيث من المتوقع أن تشهد الأسواق العالمية تراجعاً في الإمدادات النفطية، ما يستدعي قيام المنظمة والحلفاء بتغيير سياسة الإنتاج السارية حالياً ضمن اتفاق الخفض بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً، ولكنه من الصعب التنبؤ بمقدار الرفع الذي سيكون في سقف الإنتاج؛ كونه غير واضح الملامح لحين انتهاء اجتماع المنظمة وحلفائها المقرر عقده بعيد منتصف الشهر الجاري مايو في مدينة جدة السعودية، إلا أن المؤكد أن منظمة OPEC تمتلك المرونة الكافية للتعامل مع معطيات أسواق النفط التي تتأرجح كل نصف عام بين فائض الإمدادات وشحّها، للإبقاء على الأسواق في حالة اتزّان تشحذ نمو الاقتصاد العالمي والأسعار ضمن نطاق تقلّب سعري مقبول وباعث للاطمئنان، وجهود المنظمة واضحة في هذا المجال، ففي العام 2018م عملت منظمة OPEC بثلاث سياسات إنتاجية تم العمل بهما خلال ذلك العام، الأولى رفع الإنتاج النفطي بمقدار مليون برميل يومياً وتم إقرارها نهاية الربع الثاني من العام ذاته ويتم العمل بها اعتباراً من يوليو 2018م (لمدة ستة أشهر)، والثانية قرار تم اتخاذه في ال 22 من سبتمبر 2018م ينصّ على الاستمرار بسياسة الإنتاج المعمول بها وفق قرار المنظمة والحلفاء المتخذ في يونيو للعام ذاته، والسياسة الإنتاجية الثالثة تم إقرار العمل بها بداية ديسمبر الماضي ونصّت على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً اعتباراً من يناير للعام الجاري 2019م.