الحياة علمتني أن ما أراه حقيقة؛ وما لا أراه حقيقة أيضاً. فالحياة ليست تجربتي وحدي؛ بل هناك تجارب لآخرين عاشوها بترح وفرح. قد يكون بعض تلك التجارب عصياً على الاستيعاب؛ لكن الحياة علمتني أن أصدق تلك التجارب ولو اخترقت حاجز المألوف. ذلك أن الحياة وجوه كثيرة؛ إن رأيت منها وجهاً غابت عنك وجوه. يقول الله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).. فالعلم لا يقصر على شيء؛ بل يمتد إلى الأشياء كلها. مهما أحطنا بالشيء علماً؛ فإن الجهل بما سواه من الأشياء يحيط بالمساحة كلها. من هذا المنطلق فإن التأمل في ظواهر الحياة؛ وأحداثها؛ وأحوال الناس وغاياتهم؛ والاعتبار بمجريات الأمور؛ وتحليلها تحليلاً مجرداً؛ للوصول إلى مفاهيم صحيحة تكشف وجهاً من وجوه الحقيقة. فالحياة مليئة بالتناقضات؛ وقائمة على التضاد في الأشياء؛ الخير والشر فيها في صراع دائم. هذه التركيبة المعقدة؛ لا يمكن أن تختزلها تجربة واحدة. فمن كانت حياته هانئة رغيدة؛ قد لا يعرف أن هناك من حياتهم عابسة يلفها الجوع والموت. ومن صحته في تمامها وكمالها؛ لن يدرك معنى المرض وحقيقته التي يكتوي بها المرضى. ومن يعيش بوطنه آمناً مستقراً؛ لن يعرف معنى فقد الوطن وتشرد أهله. تلك أمثلة بسيطة تعبر عن أن الحياة أوسع من اختزالها بتجربة شخصية؛ أو رؤية ذاتية؛ مهما كانت ثرية ومتنوعة، فإنها تبقى من هذا المنطلق مجرد وجه من وجوه الحياة المتعددة المتنوعة. فما نراه حقيقة نعيشها؛ وما لا نراه حقيقة أيضاً يعيشها آخرون.