رُويْداً رُويْداً - بخطوات وئيدة ولكنها مُتصاعدة - يتسلل الفحم ليدخل إلى أسواق التجارة العالمية بين الدول.. مدفوعاً بنمو الطلب العالمي مؤخراً على الفحم.. وبالتالي ارتفاع سعر طُنْ الفحم (المُصدّرْ من أميركا إلى الخارج) من 82 دولاراً العام 2016 إلى 138 دولاراً العام 2018. فعلى سبيل المثال: قفزت صادرات أميركا للفحم (ثلاثة أضعافها) فبلغت نحو 120 مليون طن العام 2018، بعد أن كانت صادرات أميركا للفحم لا تتجاوز 40 مليون طن فقط العام 2002 (المصدر: تقرير إدارة الطاقة الأميركية eia بتاريخ 27 مارس 2019). نظرياً يبلغ العمر الزمني للفحم 134 سنة أي نحو ثلاثة أضعاف العمر الزمني للبترول الذي يبلغ 50.2 سنة (المصدر: إحصائية BP - 2018). هكذا نجد أن الإنسان الحديث يؤمل أن يلجأ لتسييل الفحم واستخدامه كلقيم في البتروكيميائيات بعد أن يعجز المتبقي من البترول عن تلبية كامل الطلب العالمي المتزايد على الهايدروكربونات في شتى استعمالاتها. السؤال الذي يتبادر للذهن هو لماذا لا نسمع في الأخبار عن الفحم بالقدر الذي نسمعه عن البترول والغاز؟ السبب أن الفحم ليس له الآن نفس الأهمية للبترول سواء في استخداماته المتنوعة، أو في التجارة الدولية بين الدول. كذلك الفحم تحتكره غالباً الدول الغنية (كأميركا) أو الدول الكبيرة (كالصين). بعكس البترول الذي تملكه غالباً الدول الصغيرة (كدول الخليج) أو الدول النامية (كدول إفريقيا). من حُسْن حظ البترول والغاز أن الفحم أكثر ضرراً على البيئة والمناخ من البترول والغاز.. وبالتالي يصعب على اتفاقيات المناخ فرض ضرائب الكربون على الوقود الأحفوري (البترول، والغاز، والفحم)؛ لأن فرض الضرائب بنسبة انبعاثات الكربون سيحول الطلب من الفحم إلى البترول والغاز. وفقاً لنظرية اقتصاد الموارد الناضبة فإن البترول لن يختفي تماماً (ينضب) من الأرض، لكن سترتفع تكاليف استخراج المتبقي من البترول تدريجياً، وبالتالي ستواصل أسعار البترول ارتفاعها، فيضطر الإنسان أن ينتقل من الأماكن التي ارتفعت تكاليف استخراج بترولها إلى الأماكن التي مازالت تكاليف استخراج بترولها منخفضة نسبياً. لا يوجد أي نوع من التناقض بين مُطالبتنا بتطوير بدائل البترول (كالسيارة الكهربائية) التي ستحل مكان البترول في بعض استخداماته وأهمها الآن كوقود للمواصلات (البنزين، والديزل، والكيروسين). وبين قولنا إن الطلب على البترول سيبقى ما دام الإنسان يعيش في كوكب الأرض، لأن إيجاد البدائل لا يعني الاستغناء عن البترول، بل لأن وجودها ضرورة لعدم قُدرة البترول وحده على تلبية الطلب، حيث إن الطلب على الطاقة ينمو بمعدل نمو البشر على الأرض، ولذا يجب إيجاد مُخْتلف البدائل. موضوع مقال الأسبوع القادم - إن شاء الله - بعنوان: المكسيك من مُصدرة إلى مستوردة للبترول.