على الرغم من مضيّ ما يربو على أربعة عقود على انطلاق جائزة الملك فيصل العالمية؛ إلاّ أنها ما زالت تحتفظ بالوهج والأهمية والرصانة والموثوقية والقيمة العلمية ذاتها؛ ففضلاً عن جزالة الجائزة مادياً ومعنوياً، تكتسب حضوراً وصيتاً كبيرين، جعلاها موضع انتظار وترقُّب من الأوساط الثقافية والعلمية، ولا سيما أنّ الجائزة كانت طريقاً مُفضياً لعدد من الحاصلين عليها إلى جائزة نوبل، الأمر الذي يؤكّد رصانتها وموثوقيتها ودقّة المعايير المتّبعة في منحها العلماء والباحثين الذين كان لأعمالهم الفكرية والعلمية المختلفة أثر حقيقي في خدمة البشرية جمعاء من دون اعتبار لأي اختلاف عرقي أو ديني أو هويّاتي، ما يرسّخ حقيقة مفادها بأن جائزة الملك فيصل بعيدة عن التسييس أو الأدلجة، وأنّ منطلقاتها إنسانية صرفة، تستهدف خير الشعوب والإنسانية قاطبة؛ أهداف عظيمة كان الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - يعمل لها، ولا غرو في ذلك، فقد كان رجل عدل وعقيدة، ورائد فكر، يستمد تفكيره وعمله من تعاليم دينه الحنيف. ولقد حققت دعوته إلى التضامن الإسلامي ما كان يصبو إليه. الجائزة التي تحظى برعاية من خادم الحرمين الشريفين واهتمام شخصي يعكس فرادة وأهمية الجائزة وكذلك اسم صاحبها، الذي تعدّ هذه الجائزة ثمرة من ثمار أهدافه الإنسانية الكبرى، التي ما فتئ القائمون عليها يؤكدون أنها تهدف إلى مواصلة مسيرتها، وخدمة المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، وحثهم على المشاركة في كل ميادين الحضارة، كما تهدف إلى إثراء الفكر الإنساني والمساهمة في تقدم البشرية. يأتي هذا العرس الثقافي بتكريم الفائزين وجهودهم في خدمة الإنسانية، ليضاف إلى الحراك الثقافي الكبير واللافت، الذي تشهده بلادنا في شتى الحقول؛ حراك يعكس حيوية المرحلة، التي تشهدها المملكة، والدينامية الفاعلة التي لا تقتصر على المؤسسات الرسمية، وإنما تتجاوزه إلى كل شرائح المجتمع، وعلى اختلاف مراحلهم العمرية، التي تصب جميعها في خدمة الفرد والمجتمع على نحو يضمن سيرورته، ويسهم في تماسكه وتلاحمه في ظل الأحداث المتسارعة والمتغيرات الكبيرة، التي تستلزم وعياً مغايراً ومحصناً ضد اختراقه أو محاولة زعزعته ومنظومته القيمية.