المجزرة البشعة الإرهابية، التي ارتكبها اليميني المتطرف السفاح (برينتون تارانت)، في مسجد النور في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، وراح ضحيتها العشرات ما بين قتيل وجريح، يوم الجمعة الماضي، يجب ألا تمر مرور الكرام على إعلامنا، كما عودنا المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين وينظر إلى الإرهاب بعين واحدة، ويتعامل بلا حيادية مع الكثير من القضايا التي تهم العرب والمسلمين، في ظل تنامي التطرف اليميني في الغرب، وانتشار ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، في العديد من المجتمعات الغربية، بسبب سياسة التجييش الإعلامي العنصري ضد العرب والمسلمين، التي تنتهجها المؤسسات الإعلامية والكثير من المسؤولين في الغرب، والحقيقة أن هذه الجريمة الإرهابية النكراء، تدعونا إلى التوقف عندها بجدية وحزم، باعتبارها من الناحية العقائدية والسياسية، تمثل نتيجة طبيعية لتنامي اليمين المتطرف في الغرب، ووصول بعض أحزابه إلى السلطة في العديد من الدول الأوروبية. وعندما يقدم الإرهابي تارانت مبرراته لجريمته عبر أكثر من سبعين صفحة، على مواقع التواصل الاجتماعي، متحدثاً عن أحداث تاريخية، هذا يعني أنه يدرك وعلى قناعة تامة بجريمته، لاسيما أن الأحداث التي يستشهد بها أصبحت من الماضي، وتعود إلى حقبة الحروب الصليبية، فإن ذلك يعني أن هناك أفكارا مشحونة وقناعات سياسية عنصرية واضحة، شكلت الأساس لهذه الجريمة الدموية المروعة، وغيرها من الجرائم العنصرية الكريهة، التي يتوالى حدوثها هنا وهناك. وهذه الإيديولوجيا والأفكار السياسة العنصرية العدائية ضد الآخر، لم تكن لتنمو بهذا الشكل الكبير والمتسارع، لولا فشل الأحزاب الأوروبية الغربية، والمنظومة الفكرية الغربية عامة، وإخفاقها في تجاوز فلسفة التعصب والكراهية والحقد وإقصاء الآخر، رغم تشدقها المستمر، بالحرية والإنسانية والمساواة، وغيرها من الشعارات الرنانة، التي يتحفنا بها الإعلام الغربي صباح مساء. ومن المهم القول إن مجزرة نيوزيلندا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقي الخطاب الإعلامي العربي جبان ويراوح مكانه، ولم يسمِ الأشياء بمسمياتها، ويمارس التضليل والكذب على العالم، مستغلاً مصائب الشعوب وويلاتها، لتنفيذ أجنداته الخاصة، ويبدو أن العالم الغربي يشهد في الفترة الأخيرة، تنامياً كبيراً لليمين العنصري المتطرف الذي بات ومع الأسف يشكل ثقلاً شعبيا أيضاً، وطرفا ثابتا في المعادلات الانتخابية في الغرب، فمجزرة بحجم مجزرة نيوزلندا البشعة، لم يقدم الغرب بعد على وصفها بالإرهابية، وإن فعل في حالات نادرة فإنه يقولها باستحياء، وكأن العمل الإرهابي تخصص المسلمين؟!. ومن يراقب تعامل الإعلام الغربي مع الهجمات الإرهابية التي تستهدف الغرب، والهجمات الإرهابية التي تستهدف العرب والمسلمين، يستطيع أن يلمس ذلك النفاق الكبير والتدليس والتظليل والافتقار إلى الموضوعية في تعامل الغرب مع معضلة الإرهاب التي كان المصدر الأول لها. فالهجوم الإرهابي الذي استهدف مجلة شارلي ايبدو في فرنسا، استدعى كل الزعماء الغربيين، إلى الاحتشاد لإدانتها، بل والمشاركة في تأبين ضحاياها وتجييش كل وسائل الإعلام الغربي لها، فيما يحاول الإعلام الغربي الآن تسويق جريمة نيوزيلندا باعتبارها جريمة منفردة، وقد يصف صاحبها بالمجنون أو المعتوه، كما درجت العادة. ويمتاز الخطاب السياسي والوطني لدى الأحزاب اليمينية في الغرب بصياغته العدوانية ونزعته الإقصائية التي تكشف طبيعته الشوفينية واعتماده على فكرة النقاء التاريخي، وهي أفكار عنصرية لا تشبه في الواقع إلا أفكار الحركة النازية، التي ابتلي بها العالم، خلال حقبة الحرب العالمية الثانية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أين الإعلام العربي من كل ما يجري؟ ولماذا لا يستخدم وتستغل جريمة بشعة كهذه لكشف حقيقة العنصرية الغربية ضد العرب والمسلمين، والتي باتت ظاهرة منتشرة بكثرة في الغرب. فاليهود الذين تعرضوا للاضطهاد في السابق من قبل الغرب، استطاعوا أن يدافعوا عن أنفسهم بقوة ومهنية، بل واستغلوا هذا الاضطهاد لتثبيت أفكار تبدو ضاغطة على المجتمعات الغربية، مثل العداء للسامية، التي باتت شعاراً يحمي "إسرائيل" حتى من الانتقاد في الغرب. فلماذا لا يستغل الإعلام العربي ما جرى ليقوم بدوره المطلوب منه في الدفاع عن قضايانا العربية والإسلامية، ويرد بضاعتهم إليهم؟، وكشف الحقائق أمام العالم، بإن الإرهاب ظاهرة عالمية ولادين وهوية له، ويعري العالم الغارق في ضباب العنصرية والتعصب الشوفيني الغربي، الذي يمارس الاستعلاء على كل ما هو غير غربي، في ترجمة للأفكار العنصرية البغيضة التي تنتشر كالنار في الهشيم في المجتمعات الغربية. إنه سؤال ملح يطرح نفسه على المستوى العربي والإسلامي لأنه مالم يقم الإعلام بدوره المنوط به بشكل مهني وحرفي ونزيه، في هذا الوقت بالذات، فإن العرب والمسلمين سيدفعون المزيد من الضحايا والأرواح والجرحى والكوارث، على مذبح الإرهاب وشهوة القتل العنصري التي تجتاج المجتمعات الغربية عامة.