القاهرة نورهان أنور بأسلوب شبيه حد التطابق بألعاب الفيديو وبدم بارد، نزل الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت من سيارته وتوجه نحو مسجد بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، وبدأ بإطلاق النار على المصلين أثناء أدائهم صلاة الجمعة. المشهد بدأ وكأنه مقتطف من فيلم، والقاتل كان يطلق النار على أي جسد متحرك أمامه بدءا من باب المسجد حتى قاعة الصلاة والأروقة والغرف المحيطة بها، والنتيجة 50 قتيلا حتى الآن موزعة بين مسجدي النور" و"لينوود". فمن هو هذا السفاح الذي هز العالم بفظاعة مجزرته، وأي تطرف وإرهاب ينخر أعماقه، وأي حقد إيديولوجي يسمم شرايينه، ليرتكب هذه المذبحة الدامية التي صدمت العالم وهزت جميع شرائحه، فالرجل يدعى برينتون تارانت، وهو أسترالي متشبع بالفكر الإرهابي المتطرف، ويتبنى سياسة معاداة المهاجرين. اللافت أن هذا الشاب الذي لا يتجاوز ال28 من عمره نشر قبل يومين من ارتكاب المجزرة، بيانا عبر الإنترنت، أعلن من خلاله اعتزامه القيام بجريمته، غير أن لا أحد من المسؤولين سواء في أستراليا أو نيوزيلندا أعار الأمر أهمية بل قد لا يكون تبادر حتى لأذهان أصدقائه أنه ينوي فعلا القيام بذلك. وفى بيان مطول يتألف من 74 صفحة، قال فيه: "أنا رجل أبيض لأبوين بريطانيين من الطبقة العاملة، وأنتمي لأسرة منخفضة الدخل، لكنني قررت أن اتخذ موقفا لضمان مستقبل لشعبي". وفي بيانه، أظهر الإرهابي عداءه للمسلمين ولتزايد أعداد المهاجرين منهم، واصفا إياهم ب"المحتلين" و"الغزاة". فيما اختار المسجدين باعتبار العدد الهائل من المصلين الذين يرتادونهما، ما يجعلهما هدفا مفضلا بالنسبة له. وكان موقع "نيوزيلند هيرلاد" النيوزيلندي قد كشف مفاجأة من العيار الثقيل، بعد قال إن مكتب رئيسة الوزراء، جاسيندا أرديرن، حصل على نسخة من بيان منفذ "هجوم المسجدين" في مدينة كرايست تشيرتش، قبل دقائق من تنفيذه الهجوم الإرهابي الدموي. وأوضح المصدر، الذي حصل على المعلومة بشكل حصري، أن مكتب أرديرن حصل على نسخة من البيان، المكون من ال73 صفحة، قبل أقل من 10 دقائق على تنفيذ الهجوم الإرهابي، مضيفا أن "الجاني أرسل البيان إلى مكتب رئيسة الوزراء إلى جانب 70 مستقبلا آخر، من بينهم سياسيون"، كما ضمت قائمة "المرسل إليهم" مكتب البرلمان، وبعض وسائل الإعلام المحلية والدولية وقال المتحدث باسم رئيسة الوزراء النيوزيلاندية "البيان الذي استلمناه يكشف الدوافع وراء العملية. لم يقل إنه على وشك تنفيذ هجومه.. لم تكن هناك فرصة لإيقافه". هذا فيما كشفت حركة "عنصرية" أشار بها منفذ الهجوم على المسجدين في نيوزيلندا داخل المحكمة، إلى أنه ارتكب جريمته التي أودت بحياة 50 شخصا، عن سبق إصرار وترصد. وظهر الإرهابي الأسترالي أمام محكة جزئية في كرايستشيرش، وهو يرتدي ملابس السجناء ومكبل اليدين، إذ وجه له القاضي تهمة القتل، دون أن يتفوه في المقابل بكلمة واحدة، وأمرت بحبسه لحين عرضه على المحكمة العليا في ال5 من أبريل المقبل. لكن كان من اللافت أن تارانت، أثناء مثوله أمام المحكمة، ضم أصبعيه السبابة والإبهام على شكل دائرة وأرخى بقية أصابعه مفرودة في إشارة يرفعها دائما من باتوا يعرفون ب"المتفوقين البيض". ويؤمن هؤلاء بتفوق الجنس الأبيض على بقية الأجناس، ويعارضون بشدة الهجرة، وقد يتورطون أيضا في إيذاء المهاجرين بمجتمعاتهم. الى ذلك توجهت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، الى أسر ضحايا الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كرايستشيرش، وذلك لتقديم واجب العزاء. وارتدت أرديرن الحجاب، كما اتشحت بالملابس السوداء، تقديرا واحتراما لعادات أسر الضحايا من المسلمين. وفى سياق متصل أعلنت وزارة الخارجية الأردنية، ارتفاع عدد القتلى من الأردنيين في الهجوم الإرهابي المسلح إلى 3 بعد وفاة شخص صباح امس "السبت" متأثراً بجراحه. وقال مدير مركز العمليات في الوزارة سفيان القضاة إن السلطات الأردنية بعد أن تأكدت من نبأ وفاة المصاب قامت بإبلاغ ذويه على الفور. وكانت الخارجية قد أفادت، الجمعة، بسقوط قتيلين أردنيين في هجوم نيوزيلندا الإرهابي، مؤكدة في الوقت ذاته وجود مصابين اثنين بحالة خطيرة. وصرحت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية جمانة غنيمات، في وقت متأخر من الليلة الماضية، بأن السلطات تتابع تطورات العملية عبر غرفة عمليات مفتوحة لمساعدة المواطنين في نيوزيلندا. في غضون ذلك أعلنت الشرطة النيوزيلندية وضع مستشفى هوكيز باي في حال إغلاق بسبب تهديد أمني، ولم تتوفر المزيد من التفاصيل. وحسب وكالة رويترز، لم تعلق الشرطة بشأن إذا كان الإغلاق يتصل بالهجوم الإرهابي على المسجدين. فيما تصدر الحادث الإرهابي اهتمامات الصحف البريطانية الصادرة، السبت، لتسلط الضوء على تصاعد خطر التطرف اليميني. وفي صحيفة "الجارديان" البريطانية، قال المراسل جيسون بروك إن الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا ركز الاهتمام مرة أخرى على الخطر المحدق الذي يشكله متطرفو اليمين، موضحاً أن إرهابهم كان في تصاعد خلال العقد الأخير من القرن العشرين. منذ حادث مقتل 77 شخصاً في النرويج عام 2011 على أيدي أندريس بيهرينج بريفيك، كانت هناك أعمال عنف مضطردة، مثل: الهجمات على مساجد في لندن وكيبك ومقتل النائبة البريطانية جو كوكس وغيرها من الحوادث التي ارتكبت بدافع الكراهية. وأوضح تقرير مراسل الصحيفة أن مؤشرات التهديد الذي يشكله الإرهاب موجودة منذ عهد بعيد، ففي عام 2017 في بريطانيا، كانت هناك 5 هجمات إرهابية يقف وراءها متطرفون. وفي الولاياتالمتحدة، كان لنشاط اليمين المتطرف علاقة بمقتل 50 على الأقل عام 2018؛ حيث أشار المراسل إلى بحث أجرته رابطة مناهضة التشهير على مدار العقد الماضي، وتوصل إلى أن 73.3% من أعمال القتل المرتبطة بالتطرف في الولاياتالمتحدة يمكنها ربطها بالإرهابيين. أما صحيفة "تلجراف" البريطانية، فسلطت الضوء على الهجوم الذي طال عمالقة التكنولوجيا بسبب البث الحي للعملية الإرهابية عبر حسابات الإرهابي برينتون تارانت (28 عاماً). وأشارت الصحيفة في تقرير لها، إلى إدانة وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد فشل شركات التكنولوجيا في وقف مشاركة الفيديو الذي وصلت مدته 17 دقيقة بعد أكثر من 10 ساعات على وقوع الحادث، قائلاً إنه "طفح الكيل"، تحتاج منصات يوتيوب وجوجل وفيسبوك وتويتر إلى فعل المزيد لوقف الترويج لأعمال التطرف المقترنة بالعنف عبر منصاتها. كما انفردت صحيفة "تايمز" البريطانية بالكشف عن أن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني "إم آي 5″، وليس شرطة مكافحة الإرهاب، هو الذي يقود ما وصفته بتحقيق في علاقات الإرهابي برنتون تارانت، المتهم في مجزرة كرايست تشيرتش، وصلاته في بريطانيا. ونقلت الصحيفة عن مصدر بالحكومة البريطانية قوله إن الجهاز "يراجع المانيفيستو المكون من 74 صفحة الذي نشره تارانت على الإنترنت، ويدعو فيه إلى قتل شخصيات منها صديق خان، عمدة لندن المسلم". وسلطت صحيفة ديلي ميل البريطانية الضوء على ردود فعل عائلة الإرهابي برينتون تارانت، بعدم علمها بالجريمة التي ارتكبها ابنها في مسجد النور بمنطقة كريستشيرش. وعلقت جدة الإرهابي برينتون تارانت، الذي نفذ العمل الإجرامي، على ضلوع حفيدها في هذا النشاط الإجرامي، برفضها تصديق فكرة ارتكابه لهذا العمل. وقالت جويس تارانت، التي تبلغ من العمر 94 عامًا، إن القاتل البارد الذي صور نفسه وهو يطلق النار بهدوء على المسلمين خلال صلاة الجمعة لم يكن الحفيد الذي عرفته، والذي رأيته آخر مرة في أعياد الكريسماس الماضية. وجاءت هذه الأخبار بمثابة صدمة للعائلة، خاصةً بالنسبة لوالدته شارون التي كانت في الفصل لتدريس اللغة الإنجليزية، عندما علمت أن ابنها ارتكب عمل إرهابي. وبعد تلقي مكالمات من الصحفيين بعد ظهر الجمعة، كان لا بد من إخراج معلمة مدرسة ماكلين الثانوية من الفصل وإخبارها بجريمة ابنها. ومن المعتقد أن عدداً من عائلة تارانت اختفوا في أعقاب إجراء شرطة مكافحة الإرهاب بعض المقابلات في إطار التحقيقات السارية عن الحادث الأليم. وقال ضباط في نيو ساوث ويلز، إن عائلة الإرهابي تواصلت مع الشرطة بمجرد التعرف على وجهه خلال التغطية التلفزيونية.