تتكئ أسواق النفط على عددٍ من المعطيات التي اكتسبتها منذ الأول من يناير الجاري منها سريان اتفاق الخفض النفطي، وحالات التهدئة فيما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، فعلى الرغم من الضبابية وعدم الوضوح التي عاشتها مؤخراً بسبب العوامل غير الأساسية التي تصعّب عملية الوصول لقراءة واضحة، إلا أن بقيت ضمن حالة من التماسك والتضييق لنطاقات التقلّب السعري خلال الأسبوع الماضي، كما خفضّت البيوت الاستشارية وبعض المصارف من سقف توقعاتها لمتوسط أسعار النفط خلال العام 2019م، حيث خفضّ غولدمان ساكس تقديراته لمتوسط أسعار خام برنت خلال العام الحالي 2019م ل62 دولاراً للبرميل، كما خفضّ Societe Generale متوسط توقعاته لأسعار النفط في العام الحالي ل64 دولاراً، وفي المقابل فقد أسهمت بيانات الإنتاج ومقدار الخفض التي نشرتها OPEC مؤخراً في تشجيع الأسواق ورفع مؤشرات الأسعار، حيث جاء إنتاج أعضاء المنظمة قبل الخفض 26.749 مليون برميل يومياً ونصيب الخفض 812 ألف برميل يومياً ليكون حجم الإنتاج 25.937 مليون برميل يومياً، أما المنتجين غير الأعضاء فقد كان مقدار إنتاجهم 18.320 مليون برميل يومياً ونصيب الخفض 383 ألف برميل يومياً ليكون حجم الإنتاج 17.937 مليون برميل يومياً، وبشكل عام فقد كان إنتاج حلفاء اتفاق الخفض النفطي من داخل وخارج منظمة OPEC 45.69 مليون برميل يومياً ومقدار الخفض 1.195 مليون برميل يومياً ليكون إجمالي الإنتاج بعد الخفض 43.874 مليون برميل يومياً . وشهد الأسبوع المنصرم استقراراً نسبياً للأسعار ظلّت تدور حول مستويات ال60 دولاراً لخام الإشارة برنت، مدعوماً بحالات التهدئة فيما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، باستثناء التأثير الطفيف الذي حدث للأسعار جرّاء البيانات الضعيفة للتجارة الصينية، التي شكّلت عامل ضغط على أسعار النفط مطلع الأسبوع الماضي تراجع معها خام برنت ل59 دولاراً للبرميل ومن ثم عاد مرتفعاً لسقف الستين دولاراً، وذلك بالتزامن والتطمينات التي تلقتّها الأسواق النفطية من وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بالسعودية المهندس خالد الفالح ووزير الطاقة الإماراتي اللذين أوضحا في وقتٍ سابق الأسبوع الماضي أن السوق النفطية تسير على الطريق السليم وستعود للتوازن، ومتفائلون بقدرة منظمة OPEC على تحقيق التوازن في الأسواق النفطية، فالدلائل المتواترة تشير إلى وجود التزام فعلي باتفاق الخفض النفطي باستثناء روسيا التي وصفها وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح بأنها أقل من المتوقّع، وبررّت روسيا ذلك في وقتٍ لاحق على لسان وزير طاقتها ألكسندر نوفاك الذي أوضح عدم القدرة على إجراء خفض حاد في الإنتاج في ظل القيود التقنية ولكنها في طور المحاولة. بيدَ أن مجموعة من كبار خبراء الصناعة النفطية انحازوا إلى القول بعدم وجود دلائل حقيقة على تراجع الاقتصاد العالمي بالتزامن مع بوادر أخرى تشير إلى نهاية الحرب التجارية، وهو الأمر الذي انعكس على ثبات مؤشر الأسعار خلال الفترة الماضية منذ بداية يناير الجاري، وأن المخاوف الراهنة من تباطؤ الاقتصاد العالمي غير مبررة لا سيمّا أن أساسيات الأسواق لن تكون أضعف من العام الماضي 2018م، فتوقعات أوساط الصناعة تشير إلى أن العوامل الأساسية للأسواق ستظل ضمن حالات تعافٍ وأقوى ممّا كانت عليه في العام 2018م، بالإضافة إلى وجود عدد من الاتجاهات الجديدة بالأسواق منها ارتفاع الطلب على النفط البالغ الخفّة (كميات كبريت أقل) وزيادة مداخيل صناعة التكرير هذا العام 2019م . ويبقى العام 2019م موضعاً للتصحيح في أساسيات الأسواق النفطية التي ستشهد ثباتاً مقروناً بحالات من التعافي التدريجي، على الرغم من وجود تأثير لعوامل أخرى على الٍأسواق بخلاف عواملها الأساسية، كذلك نسب الالتزام باتفاق الخفض النفطي من داخل وخارج منظمة الأوبك، التي شهدت زيادة في نسب التعاون ما بين المنتجين من خارج وداخل المنظمة خلال العامين الأخيرة، حيث إن أول تعاون في تاريخ المنظمة هو الذي بدأ سريانه بداية العام 2017م ما بين أعضائها ومنتجي الخام من خارج المنظمة، حيث أثبتت المنظمة خلال العامين الماضيين قدرة عالية على ضبط المعروض وإدارة الأسواق ضمن نطاقات مجدية اقتصادية غير ضارّة، لذلك فالأسواق تعيش آمال التوان على المديين القصير والمتوسط، كما أن الربع الثاني من العام الجاري 2019م سيتميز بالمزيد من المعطيات التي ستعزز من العوامل الأساسية للأسواق نتيجة التوجّه الذي تعتزم الإدارة الأمريكية نهجه من خلال إيقاف الإعفاءات المعطاة لمستوردي النفط الإيراني في السادس من إبريل القادم بحسب تصريحات ممثل الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى إيران الأسبوع الماضي برايان هوك الذي أوضح أن الولاياتالمتحدة لا تنظر في عطاء المزيد من الإعفاءات لمستوردي النفط الإيراني، إلا أنه من المتوقع ألا تعتمد الأسواق النفطية على ذلك كثيراً، بسبب الخلل الذي حدث في نوفمبر الماضي عقب سريان العقوبات الأمريكية على طهران والاستثناءات التي أعطيت لعدد من الدول مما تسببّ في حدوث تخمة نفطية بالأسواق، وبعموم القول فإن المعطيات خلال النصف الأول من العام الجاري 2019م تنبئ عن تعزيز العوامل الأساسية للأسواق، وقد يتجّه الحلفاء النفطيون إلى فك تقييد الإنتاج في وقتٍ متأخر من العام الجاري إن دعت الحاجة إلى ذلك خصوصاً أن أساسيات السوق النفطية لن تكون أضعف من العام الماضي 2018م، وحالات التعافي بدت واضحة في الأسواق ومؤشراته السعرية التي استجابت لجهود المنتجين منذ الأول من يناير الجاري، حيث ارتفع خام الإشارة برنت من مستوى ال54 دولاراً في الأول من الشهر الجاري إلى 62 دولاراً بنسبة ارتفاع بلغت 12 % تقريباً ولا زالت الآمال معقودة خلال الأيام القادمة.