تحدثت كثيراً عن الكتابة وعن أهمية أن يقرأ الكاتب قبل أن يتفضل علينا بمشاركته أفكاره ورؤاه ونظرته للعالم. فالكتابة - كما هو معروف - عبارة عن إعادة صياغة لما قرأته من قبل. أفكارك ورؤيتك تنبعان أساساً مما تعرف وما تخبر، وذلك يعتمد على ممارسة الحياة وعلى القراءة. إذاً الجزء الأكبر فيما تكتب يعتمد على ما قرأت، هناك مسألة أخرى مهمة وهي أن الكتابة أسلوب أيضاً، وكي يتكون لك أسلوبك الخاص، عليك أن تقرأ وتقرأ كثيراً وتقرأ جيداً، بالضبط كأي حرفة، عليك أن تتمرن عليها كثيراً، وإذا حدث وأن كتبت من دون أن تقرأ فكأنك تريد أن تصنع سيارة من دون أن تشاهد كيف تصنع السيارات. كل الذين يكتبون يعرفون أن القراءة أحد أهم روافد الإلهام. بدلاً من انتظار الإلهام بالنظر إلى النجوم يمكنك أن تسرع المسألة بقراءة كتاب جيد. الكتابة الجيدة لا تمنحك أفكاراً جيدة فقط، هي تخلق فينا نوعاً من الأحاسيس القوية التي تدفعك دفعاً لأن تمسك الورقة والقلم أو تنقر على الكيبورد. أعرف أنني أفسر الإلهام، لكن فعلاً وحرفياً هذا ما يحدث لي حين أقرأ إبداعاً عبقرياً. إذا حدث أن قرأت كتاباً لا يعجبك، وهذا يحدث في أحيان كثيرة، يمكنك أن تضع يدك على المواقع التي شعرت أن الكاتب أخفق فيها، وبالتالي تتجنبها. لو شعرت أنه لم يكتب شخصياته بشكل جيد، أو أفكاره كانت مشوشة فستكون شخصياتك أنت أكثر تحديداً وأفكارك واضحة وغير مبهمة. وعليك شكر الكاتب الذي أخفق لأنه كان سبباً في نجاحك. حين أرى كاتباً يخطئ في اللغة أو الإملاء يتبادر إلى ذهني فوراً أنه لا يقرأ كفاية. إذا كنت تقرأ بشكل مستمر فستعرف أخطاءك الإملائية قبل أن يصححها المصحح. ستعرف الفرق بين الضاد والظاء والتاء والهاء. لم يعد يوجد مصححون فائقو الجودة كما في السابق، المصحح ربما يقع في نفس الأخطاء التي تقع فيها، اقرأ، اقرأ كثيراً، لا تقرأ لكتّاب يقعون في أخطاء لغوية. لذلك، اقرأ لأدباء القرن الماضي. هؤلاء تقريباً لا يخطئون في اللغة. ربما في أشياء أخرى، لكن ليس اللغة. المخزون اللغوي. هل يجب أن أفصح أكثر؟ اللغة مادتك التي تعتمد عليها في تشكيل إبداعك. كلما قرأت أكثر كلما أصبح لديك مخزون لغوي أكبر، يتدفق من بين يديك وأنت تكتب. يصدر من اللاوعي، من دون محاولة إعادة إصدار منك. هذا هو جمال اللاوعي، ينتج أموراً أنت لا تتوقعها، منها أنه يقدم لك الكلمة التي تحتاجها من دون أن تعلم أنها موجودة داخلك، وهي موجودة داخلك لأنك اصطدمت بها سابقاً، وقام وعيك ساعتها بحفظها عميقاً في ذاكرتك. هكذا هي الكتابة. اقرأ أيها الكاتب، لا تكن بخيلاً واقرأ..