نشر شاعرٌ شعبي مشهور خلال عام 2018 فقط أكثر من 60 قصيدة مدح عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، وتوزّعت تلك القصائد على أمراء وشيوخ ومسؤولين ورجال أعمال وأشخاص آخرين، كان للشاعر «المدّاح» حاجات لا تنتهي عندهم. المشكلة ليست في اتجاه ذلك الشاعر أو غيره للمدح، فهذا الغرض غرضٌ مباح مثله مثل جميع الأغراض الشعرية المعروفة، لكن المشكلة الواضحة تكمن في أن قصائده وقصائد الشعراء المسرفين في المدح تكون عادةً بعيدة كل البعد عن أدبيّة الشعر ولغته الراقية، فأبياتها تأتي باردةً ومليئةً بألفاظ وعبارات الاستجداء والتذلّل التي يشعر معها من يحترم فن الشعر بالخجل للمستوى الذي تنحدر إليه لغة القصيدة. لا يمكن القول إن الحاجة هي التي اضطرّت ذلك الشاعر إلى نظم هذا العدد الهائل من قصائد المدح في عام واحد، فالحاجات يُمكن أن تُقضى من دون حاجة إلى الشعر أو لجوءٍ للغة الاستجداء والتذلل، مع الاعتراف بأن الحاجة قد تضطر الشاعر أحياناً إلى مدح من لا يستحق حتى لو كان كإبليس في أفعاله، كما عبّر عن ذلك الشاعر بقوله: مدحنا أُناساً لا مُروءة عندهُم وفعلُهم مِن فعلِ إبليسَ أشنعُ وقد يُعذر الإنسانُ عند اضطرارهِ إلى موقفٍ منهُ الحشى تتقطعُ ولكن الواضح أن الطمع، لا الحاجة، هو ما يُحرك فئة من الشعراء لنظم المدح المجاني، وإهدار ماء وجوههم بقصائد يستحيل أن تخلو من مفردات من نوع: «تكفى» و»أنخاك» و»أترجاك» وغيرها من ألفاظ الاستجداء التي لا يُعذر الشاعر في استخدامها إلا عند الضرورة القصوى. وفي الأبيات التالية يُشير الشاعر جمال بندر إلى الدافع الحقيقي الذي يؤدي بكثير من الشعراء إلى التخلّي عن مصداقيتهم في المدح: شعّار ما نبغى من الناس تبجيل نبي السلامة من حكي مُجتمعنا اليا غفت شمس النهار وبدا الليل قمنا وقوّمنا الشياطين معنا نخلّد فعول الرجال الحلاحيل ونشبّع الرديان شتماً ولعنا فالمدح نصدق بس ما هوب بالحيل التاجر إن شفناه شبعان «جعنا» فالطمع» أو «الجوع» لما في جيوب الآخرين هو ما يجعل الشاعر يُهدر طاقته الإبداعية في نظم قصائد رديئة فنياً، ولا شك أنه سيخجل من نشرها في ديوانه مستقبلاً، ولو احتوى قسم المدح في ديوان أحد الشعراء القدامى على 60 قصيدة نظمها على مدى عقود من حياته لكان في ذلك شيء من الغرابة والإساءة له، فكيف سينظر المتلقي لمن ينظم مثل هذا العدد من القصائد في عامٍ واحدٍ فقط؟!