العملة الرقمية Digital currency أو العملة المشفرة أو العملة المعماة هي عبارة عن نقود ونوع من أنواع العملات لكنها غير موجودة بأشكال فيزيائية ومادية، بل إنها افتراضية وتتواجد في فضاء الإنترنت، نشأت فكرة العملات الرقمية في أكتوبر 2008 في ظل الأزمة المالية العالمية حيث بدأت العملة الرقمية تتشكل نواتها الأولى، بعد نشر شخص مجهول يدعى ساتوشي ناكاموتو ورقة يتحدث فيها عن طرق تحويل الأموال دون مراقبة الحكومات والسلطات المالية وفي نفس العام تم إنشاء تقنية Block chain من طرف هذا الشخص المجهول والذي يقال أيضا إنه قد يكون اسماً مستعاراً لمجموعة من الأشخاص الذين عملوا على تطوير هذه التقنية، وأنا اذهب إلى هذا الاعتقاد لأن هذا النظام المعقد لا يمكن تطويره بفكر شخص واحد فقط وإنما يحتاج إلى مجموعة تلاقحت أفكارها وأنتجت لنا هذه التقنية الرائعة، بعد ذلك ظهرت هذه العملات وعددها يزداد يوماً بعد يوم مع إطلاق المزيد منها بتسميات مختلفة طبعاً عملة البيتكوين هي الأشهر ولا تذكر العملات الرقمية إلا وتذكر عملة البيتكوين حتى ظن البعض أنها هي العملة الوحيدة ولكن في الواقع هنالك الكثير من العملات التي نشأت بعد نجاح البيتكوين ووصول قيمتها الى أرقام كبيرة تجاوزت 17 ألف دولار والتي لم يتجاوز سعرها عند اطلاقها 60 سنتاً في عام 2009، طبعاً كل هذه العملات تقريباً أسست ووجدت لهدف واضح ألا وهو استخدامها في الدفع الإلكتروني عبر الإنترنت والمعاملات التجارية وكذلك لنقل الأموال وتحويلها بسرعة من بلد إلى بلد آخر دون طرف وسيط أو حد أعلى للتحويل ودون معوقات أو تكاليف إضافية مما جعلها تنتشر بسرعة كبيرة واسترعت اهتمام البنوك والمؤسسات المالية.. والآن هنالك انفتاح عليها من قطاعات كثيرة منها الطب والعقود الذكية والتجارة والتدريس، أيضاً بدأت البنوك المركزية دراسة الاستفادة من هذه التقنية وتفكر جدياً في استخدامها في معاملاتها المالية ومنحها غطاء قانونياً ورقابياً يعطيها الثقة والمرجعية القانونية التي تحفظ حقوق جميع الأطراف. السعودية والإمارات تمتلكان تاريخاً ناصعاً بالإنجازات والتطور الكبير في شتى المجالات وبالذات في المجال المالي حيث تمتلكان نظاماً مالياً من أقوى الأنظمة المالية وأكثرها تطوراً واستخداماً للتقنية الحديثة بالإضافة إلى قدرته على مواجهة المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية والأحداث التي مرت على المنطقة والعالم خلال السنوات الماضية شاهد على ذلك وتم تعزيز هذه المتانة في النظام المالي بتكوين علاقة اقتصادية قوية تصب في مصلحة البلدين من خلال مجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي أنشئ في منتصف عام 2016 تحت اسم خلوة العزم وتمت ترجمة مخرجات هذا التعاون من خلال تبني الأفكار والبرامج الاقتصادية التكاملية التي ستجعل من هذا التكامل لأكبر اقتصادين في الشرق الأوسط نموذجاً عربياً ناجحاً في مواجهة التحديات والمتغيرات الاقتصادية العالمية وتمتلك كل دولة ميزة نسبية تساهم في إنجاح عملية التكامل الاقتصادي. قبل أسبوعين صرح معالي المهندس خالد الفالح أن السعودية تدرس إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي للإمارات كما أن خط السكك الحديدية بين السعودية والإمارات سوف يساهم في تطوير وسرعة حركة التجارة البينية والتي وصلت في نهاية عام 2017 إلى حوالي 90 مليار ريال في السنة وهذا الذي جعل حكومة البلدين تفكر في عملية تبسيط وتسريع المعاملات المالية الكبيرة التي نشأت عن تلك المعدلات العالية في نمو التبادل التجاري من خلال تبني مشروع تقنية العملات الرقمية التي أصبحت محل اهتمام العالم بعد ظهورها خلال السنوات الماضية وسهولة الدفع بها دون وجود طرف ثالث قد يعطل حركة نقل الأموال والتي تتم في ثواني معدودة، ومن مميزات العملة الرقمية الجديدة المزمع إطلاقها أنها ستكون تحت مظلة البنوك المركزية في البلدين وبغطاء كامل من العملات المحلية التقليدية مما يجعلها مضمونة وآمنة كما أن المرحلة الأولى من هذه العملة ستكون متاحة فقط للدفع بين البنوك ولن تكون متاحة بين المستهلكين الأفراد وهذا الإجراء الأولي سوف يعطي مساحة كبيرة لتجربة العملة واكتشاف أي أخطاء قد تنتج من خلال الاستخدام الفعلي لها وبعدها يمكن تطويرها والتأكد من اكتمال كافة الإجراءات الاحترازية والأمنية التي تضمن أن تستخدم هذه العملة الرقمية للغرض الذي أنشئ من أجلها ولا يتم استخدامها في المعاملات التي تتوارى عن أنظمة الرقابة الحكومية والتي قد يستغلها البعض في عمليات تبييض الأموال أو دعم الإرهاب أو التهرب الضريبي وإن نجحت في ذلك ربما يتم إطلاقها للتعامل بين الأفراد، وفي اعتقادي أن البلدين بإمكاناتهم الكبيرة قادران على إنجاح العملة الرقمية والتي قد تكون منعطفاً جديداً للتحول إلى استخدامها مستقلاً بديلاً للعملة التقليدية التي تكلف الدول الكثير من الأموال من خلال طباعتها والتداول بها خارج إطار النظام المصرفي والمخاطر التي تنطوي عليها من خلال عمليات التزييف وغسل الأموال والتستر التجاري والتهرب الضريبي. من الصور التي تعطي انطباعاً عن التعاون الكبير بين السعودية والإمارات تلك التغريدة التي كتبها سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي الأسبوع الماضي عبر حسابه في تويتر وهو يتجول في مدينة العلا التاريخية حيث كتب هذه الكلمات الرائعة (في عاصمة الجبال.. وعاصمة التاريخ والآثار.. في العلا.. حضارات تعاقبت هنا.. وحضارة جديدة يبنيها أخي الملك سلمان وولي عهده على أرض المملكة الحبيبة) رائع عندما يتجول ملهم الإبداع والتطوير في منطقة سياحية ويروج لها وهو الذي استطاع أن يجعل من دبي مقصداً عالمياً للسياحة والتسوق، فهذا دليل قوي على عمق التكامل بين قيادات البلدين من أجل الارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة بينما تنشغل بعض قيادات الدول في حبك المؤامرات والدسائس ودعم الإرهاب والتطرف وضخ أموال شعوبها في قضايا خاسرة لا تعود بالنفع على شعوبها.