أسهمت العوامل غير الأساسية خلال الأسبوع الخامس من تداولات شهر يناير المنصرم في التأثير على مؤشرات أسعار النفط، إلا أنها تظل تأثيرات غير باعثة على المخاوف الحقيقية لا سيمّا تلك المتعلقة بفنزويلا، حيث اكتفت أوساط الصناعة النفطية عالمياً بمتابعة تلك المستجدات بقلق، ويتضّح ذلك في تصريحات كبار مسؤولي الصناعة النفطية بالعالم كوزير الطاقة السعودي خالد الفالح والوزير الروسي ألكسندر نوفاك الذين أوضحوا خلال تصريحات سابقة أن أزمة فنزويلا إلى الآن لم تؤثر على أسواق النفط العالمية، وليست هنالك حاجّة لاتخاذ إجراءات إضافية في أسواق النفط بسبب الأوضاع الحالية في فنزويلا أو عقد اجتماع طارئ بسبب ذلك، وأنه من المبكّر تقييم آثار أزمة فنزويلا على أسواق النفط، لا سيمّا أن هنالك اجتماعات قادمة لأوبك والحلفاء في مارس القادم، واجتماع آخر وزاري في أبريل من العام الجاري وكذلك شهر يونيو. أسعار النفط ظلّت مدعومة طيلة الأسبوع الماضي ووصلت لمستوى 62 دولاراً واتسّم الأسبوع الماضي بوجود عوامل ومستجدات عملت على تخفيف الضغط على أسعار النفط، التي عانت من وطأة تأثير التخمة النفطية طوال شهري نوفمبر وديسمبر من العام الماضي 2018م، كما عززت في الوقت ذاته مؤشرات الأسعار نحو الارتفاع وإن كان بشكل بطيء، من أهمها جولة المحادثات التي انطلقت الأسبوع الماضي بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، في توجّهٍ جديد من البلدين لمحاولة إنهاء الحرب التجارية القائمة بينهما، كذلك الخفض الذي أعلنت عنه السعودية بمقدار 100 ألف برميل فبراير الجاري، لذلك من المؤكد أن خروج الأسواق النفطية من العام 2018م نحو العام 2019م كان أشبه ما يكون بالخروج من عنق الزجاجة، حيث كان الربع الأخيرة من 2018م أقسى فترات العام على الأسواق في صورة عكسية مغايرة تماماً لجميع التوقعات السابقة بوصول أسعار النفط خلال تلك الفترة إلى مستويات ال 100 دولار، فقد شهدت تلك الفترة أطول موجة تراجع سعرية، وذلك من أعلى نقطة سعرية في ذلك الربع عند 86 دولاراً لخام برنت بداية الفترة كأول مرة منذ العام 1984م، فالتراجعات الكبيرة التي حدثت للأسعار في تلك الفترة كانت لعدّة أسباب من أهمها الإعفاءات التي قدمتها الإدارة الأمريكية حينذاك لبعض مستوردي النفط الإيراني، كذلك أسباب أخرى ثانوية موسمية لم يتم التطرّق لها كثيراً وهي عمليات الصيانة للمصافي النفطية وانخفاض الاستهلاك الأمريكي. التحركات في مؤشر أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي كانت ضمن نطاقات معقولة وهادئة غير باعثة على المخاوف التي تستدعي التحرّك لاتخّاذ إجراءات عاجلة، ظلّت تدور حول نقطة ال 60 دولاراً لخام الإشارة برنت صعوداً وهبوطاً بفعل العوامل المؤثرة بخلاف أساسيات الأسواق النفطية خلا وفرة المعروض النفطي الذي يشكّل ضغطاً على الأسعار، وعلى الرغم من حالات الشد والجذب صعوداً وهبوطاً في التداولات التي طغت على حركة الأسعار خلال الأسبوع الماضي بأكمله إلا أنها بقيت ضمن وتيرة تصاعدية من مستوى ال 60 دولاراً لخام الإشارة برنت بداية الأسبوع الماضي وصولاً إلى مستوى ال 62 دولاراً وكانت قريبة من ال 63 دولاراً، لذلك فإنه من المتوقع إذا استمرت العوامل الجيوسياسية خلال الأسبوع الجاري بنفس الدور والسخونة خصوصاً الملف الفنزويلي وعدم حدوث أي تهدئة، فإن ذلك سيكون عاملاً أساسياً لدفع أسعار خام الإشارة برنت لملامسة سقف ال 64-65 دولاراً للبرميل خلال الأسبوع الجاري، لذلك فإن توقعات أسعار النفط على المدى المتوسط والبعيد صعب للغاية ؛ لكثرة العوامل الغير أساسية المؤثرة بالأسواق، لذلك فإن مؤشر أسعار النفط فيما تبقى من الربع الأول ( فبراير – مارس ) للعام الجاري 2019م ستكون رهناً لبعض العوامل منها ما يتم التوصّل إليه بين الجانبين الأمريكي والصيني في محادثاتهما بشأن خلافهما التجاري ونسب الالتزام بالخفض النفطي المتفق عليه في 7 ديسمبر الماضي، كذلك الملف الفنزويلي وما قد يحدث فيه من تطورات والفوائض النفطية بالأسواق، بالإضافة إلى التخفيض الأخير الذي أعلنت عنه السعودية بمقدار 100 ألف برميل فبراير الجاري. بيدَ أن المرحلة المقبلة (الربع الثاني) من العام الجاري 2019م ستشهد تغيرات من حيث العوامل المؤثرة في الأسواق، حيث سترجع طهران للساحة مرة أخرى بنهاية مايو المقبل على وجه التحديد، وهو الموعد لنهاية الإعفاءات الممنوحة لشراء النفط الإيراني عقب العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية وسرت للتطبيق في الرابع من نوفمبر للعام الماضي 2018م، حيث منحت واشنطن إعفاءات ل 8 دول من المشترين الأساسيين للنفط الإيراني منها الهند وكوريا الجنوبية والصين واليابان، إلا أن هذا العامل لا يعدّ مؤثراً حقيقياً على أسواق النفط أو يبعث على التخوّف من تأثر الإمدادات في الأسواق العالمية؛ لقدرة منتجي النفط الخام من داخل وخارج منظمة OPEC على تعويض ذلك النقص، إضافة إلى ذلك الوفرة النفطية الموجودة بالأسواق التي ستحول دون حدوث تأثير كبير على أسواق النفط بسبب الصادرات الإيرانية، وتدل المؤشرات على توقف الإعفاءات الأميركية وأنه لن يتم تجديدها بحسب ما صرّح به برايان هوك ممثل الولاياتالمتحدة الأميركية الخاص بإيران بداية يناير الماضي، حيث أوضح أن الإدارة الأميركية لا تنظر إلى منح أي إعفاءات أخرى فيما يتعلق بقطاع النفط الإيراني وأن الإعفاءات السابقة كانت لكبح جماح أسعار النفط من الارتفاع، إلا أن حقيقة مدى تأثير عامل العقوبات الإيرانية في الأسواق مرهون بمدى تفعيل الحظر من قبل الإدارة الأميركية، أو أنه سيتم تكرار سيناريو نوفمبر 2018م، إلا أن كلتا الحالين لن تسبب أية مخاوف تجاه الإمدادات النفطية بالأسواق ؛ لقدرة المنتجين النفطيين على تعويض الإمدادات التي تخرج من الأسواق، كذلك التخمة النفطية الموجودة التي تتجّه للتراجع منذ سريان اتفاق الخفض النفطي الذي أقرّته OPEC والحلفاء بداية ديسمبر الماضي 2018م، وتقدّر أوساط الصناعة النفطية أن تتراجع الفوائض النفطية بالأسواق مع بداية النصف الثاني من العام الجاري 2019م ل 700 ألف برميل يومياً، والنقطة المحورية ذات الأهمية البالغة ويجدر الإشارة إليها ولدورها في أسواق النفط هي منظمة OPEC، التي تعدّ نقطة التوازن الحقيقية للأسواق العالمية، فجميع الأدوار التي تقوم بها – وما زالت - عبر قراراتها المختلفة لسنوات هي الحفاظ على اتزّان الأسواق النفطية من أي اختلال قد يطرأ عليها، وذلك من خلال موازنة تأثير العوامل ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالأسواق، والحفاظ على أسواق النفط ضمن نطاقات متزّنة وآمنة، فقد أثبتت دورها ذلك تكراراً ومراراً في الحفاظ على أمان السوق النفطية عبر توفير الإمدادات متى دعت الحاجة إلى ذلك، وتقليصها في فترات أخرى بحسب معطيات أسواق النفط، لذلك فإن المنظمة بقيادة السعودية تعدّ «نقطة التوازن» الحقيقية لطاقة العالم، فالدور الذي تضطلع به لا يقتصر على تأمين إمدادات النفط وقت الحاجة، بل يمتد ذلك الدور ليشمل السيطرة على الفوائض حال زيادتها في الأسواق والحفاظ على الاقتصاد العالمي ضمن نطاقات نمو آمنة. وتظلّ العوامل المؤثرة في أسواق النفط رهينة بالوقت والتقادم، فقوة الضغط التي مثلها عامل العرض في الأسواق النفط أمام التطورات الجيوسياسية التي طرأت مؤخراً في فنزويلا حال دون صعود الأسعار لمستويات عالية، إلا هذا العامل (التخمة النفطية) ستخفّ وطأة تأثيره على الأسواق بعيد منتصف العام الجاري 2019م، وعلى ضوء ذلك ربما تتّغير سياسات OPEC تجاه تقييد الإنتاج في وقتٍ متأخر من العام الجاري 2019م.