بلغ حجم الفارق السعري لخام الإشارة برنت ما بين بداية الربع الرابع من العام 2018م ونهايته 25 دولاراً، ما يعكس حجم العوامل المؤثرة التي طرأت على الأسواق خلال هذه الفترة، والتباين الواضح في معطيات السوق النفطية التي آلت في معظم هذه الفترة إلى التأثر بزيادة الإمدادات النفطية وبناء المخزونات والضغط على مؤشر الأسعار بالتراجع لمستويات متدنية بنهاية نوفمبر الماضي. وتواترت التطمينات الدولية منذ بداية الربع الأخير للعام الجاري الموجهّة نحو الأسواق العالمية بالتأكيد على الوفرة والجاهزية لزيادة الإمدادات النفطية متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، نتيجة قرب سريان العقوبات المفروضة من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية على طهران، فقد أكدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بداية أكتوبر الماضي على هامش فعاليات أسبوع الطاقة في العاصمة موسكو جاهزية بلاده لضخّ 200 - 300 ألف برميل يومياً للأسواق العالمية، بالتزامن مع تأكيدات أوساط الصناعة النفطية حينذاك على أهمية تضافر الجهود لحماية أسعار النفط من الخروج عن المتوسط التي تقرّ باتزانه غالبية الأوساط النفطية. وبخلاف التوقعات والمخاوف التي شهدتها الأسواق النفطية في الربع الأخير من العام الجاري، فقد شهدت أسعار النفط وتيرة تراجع كبيرة منذ بدء سريان العقوبات المفروضة على طهران في الرابع من نوفمبر الماضي، مما دفع المنتجين النفطيين الحلفاء من داخل منظمة OPEC وخارجها إلى تبنيّ قرار خفض الإنتاج النفطي في السابع من ديسمبر الماضي بواقع 1.2 مليون برميل يومياً، 800 ألف برميل يومياً للدول الأعضاء في أوبك بواقع 2.5 % من إنتاج كل دولة و400 ألف برميل يومياً للدول المنتجة من خارج المنظمة بواقع 2 % من إنتاج كل دولة وفقاً لإنتاج شهر أكتوبر الماضي وذلك لمدة ستة أشهر أولية اعتبارًا من يناير 2019م، مما يؤكد استمرارية دور منظمة الأوبك في تحقيق استقرار الأسواق العالمية، وتغليب المصالح الاقتصادية بعيداً عن أي عوامل سياسية، بالإضافة إلى الحفاظ على توازن مصالح المنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء. وشهدت أسواق النفط منذ بداية أكتوبر الماضي نشاطاً واضحاً في عمليات التنسيق والتقارب فيما بين المملكة العربية السعودية وروسيا التي كانت تصبّ في مصلحة الأسواق العالمية وتماسكها، بالإضافة إلى تأمين الإمدادات النفطية اللازمة متى ما دعت الحاجة إلى ذلك، وتحييد أي تأثير على أسواق الطاقة نتيجة سريان العقوبات الأميركية على طهران، التي بدأت بوادرها تتضّح تدريجياً بنهاية أكتوبر 2018م حيث أعلنت شركة ريلاينس اندستر الهندية في ال17 من أكتوبر توقّف وارداتها النفطية من إيران. بيدَ أن المخاوف من تأثير سريان العقوبات الأميركية على طهران وجدَت رواجاً كبيراً في وسائل الإعلام الدولية التي عظمّت تداعياتها على الأسواق العالمية بشكل كبير، بعكس واقع الأسواق النفطية التي كسرت كل تلك المخاوف بحجم تراجع الأسعار لخام الإشارة برنت من مستوى 76 دولاراً في 31 أكتوبر 2018م وصولاً ل 72 دولاراً في الأول من نوفمبر الماضي نتيجة المخاوف الناجمة عن تراجع معدلات الطلب على النفط وزيادة حجم الإمدادات النفطية بالأسواق العالمية التي بدأت بالضغط على مؤشر الأسعار، ويتضّح ذلك التأثير منذ بدء تراجع مؤشر أسعار النفط وتخلّيه عن مستوى ال80 دولاراً في 18 أكتوبر الماضي يرافقها تأكيدات متواترة من كبار المنتجين بوجود الوفرة النفطية اللازمة وقت الحاجة إليها. وعلى الرغم التقديرات الدولية التي بدأت تشير إلى وجود انخفاض في صادرات الخام الإيراني بداية أكتوبر الماضي إلا أنها لم تلق أي تأثير على مؤشرات أسعار النفط التي استمرت في وتيرة التراجع من مستوى ال84 دولاراً لخام الإشارة برنت في 9 أكتوبر وصولاً ل76 دولاراً بنهايته، حيث أشارت تلك التقديرات إلى تراجع الصادرات الإيرانية من متوسط 2.6 مليون برميل يومياً في أبريل 2018م إلى 1.5 مليون برميل يومياً في سبتمبر من العام ذاته، وذهبت تقديرات أوساط الصناعة النفطية حينذاك إلى التوقّع بوصول أسعار النفط بنهاية العام 2018م لمستويات ال100 دولار شريطة حدوث خفض في الإمدادات النفطية بواقع 2 مليون برميل يومياً وبقاء أحداث الاضطراب في ليبيا والإنتاج النفطي الفنزويلي، وفي ظل التنامي لمخاوف تأثير العقوبات الأميركية على طهران كانت الأسواق النفطية في بداية الربع الرابع من 2018م ما زالت تشهد وجوداً للفوائض النفطية بداخل الأسواق العالمية، مما ساعد على سرعة تأثير تلك الفوائض في بناء المخزونات النفطية مرة أخرى ووضوح تأثيرها بالضغط على مؤشر الأسعار خلال الفترة الماضية، حيث أرجعت بعض تحليلات المختصّين الارتفاعات التي حصلت في مؤشر الأسعار بداية الربع الرابع من العام الحالي إلى أنشطة المضاربين في الأسواق العالمية. وفي رصدٍ سابق ل "الرياض" تم نشره في الخامس عشر من أكتوبر الماضي تقدّمت دولة الهند للإدارة الأميركية بطلب إعفاءات وقتية من العقوبات المفروضة على طهران حيث كانت نقطة الانطلاق لتكشّف تفاصيل العقوبات المفروضة على طهران من قبل الإدارة الأميركية التي شملت عدّة دول في وقت لاحق، مما أدى إلى تبديد جميع المخاوف التي سبقت العقوبات وإخفاء أي تأثير على الأسواق النفطية، واستمرار الأسواق في بناء الفوائض النفطية التي ساهمت كثيراً في الضغط على مؤشر أسعار النفط التي لامست أدنى مستوى لها خلال الربع الأخير عند 58 دولاراً لخام الإشارة برنت.