جبال الجزيرة العربية لا يجب أن تُمس أو تُهدم أو تُهدد بالهدم بحجة أو بأخرى، ولا يجب أن ندع الزحف العمراني يقوض شموخها، لأنها شاهدة على الحضارة والإرث البشري قاطبة.. إن الجبال هي معالم التاريخ، ليس في علوم الجغرافيا فحسب، وإنما هي أوتاد الأرض وحراس الحضارة الإنسانية وسرجها ومهمازها من لصوص تزييف الوعي والتاريخ والإقصاء من عقول البشر، وما أكثرهم الآن بالرغم من أنهم أصحاب الثلاثين عاماً لا تزيد. فيحقرون معالمنا وتراثنا ويعتبرونه من حشاشة الأرض اليابسة مجرد حفنة تراب! فهل هم من أكلة التراث؟! حيث أقصيت أغلب معالم بلادنا بحجة تسفيهها وتحقير وظيفتها! أي فكر هذا عندما يمحى الزهو بالحضارة وبالتاريخ، فلا مكان للفرد منا بين العالم من دون حضارة يزهو بها. إذ يجب على كل إنسان - وخاصة نحن - أن يفتخر بتراب أرضه ومدارجها وعلو شأنها ورفعتها، فلكل جبل علامة، ولكل موطن قدم فيها تاريخ وراية درج تحتها أنبياء الله ورسله تباعاً منذ آدم عليه السلام. فجبالنا ليست كجبال باقي أرض الله على الإطلاق لأنها دلائل ووثائق عمق هذه الأرض كأول مدرج للبشرية جمعاء. ولذلك فلا يختلف اثنان على أن جبالاً من تلك المنارات التي يهتدي بها الباحثون على مدار الحقب المنصرمة والآتية من عالماء تطور الحضارة وتسجيلها لا يقتصر على حقبنا وأزماننا الآنية قياساً بمن سيخلفنا من أجيال وعهود وحقب ودهور آتية؛ تنقب عن كل تل وسهل مندثر، عبر الأساليب العلمية والمتطورة لحضارتنا التي يسرقها المدلسون والمستشرقون وأعداء الأمة عمداً وعن تربص، ونحن لا نلقي بالاً، ظناً منا أن كل جبل خالد وراسخ هنا وهناك معاند للزمن مجرد حفنة تراب، بيد أنه كنز من الكنوز المعرفية تصدع جدار مزيفوا التاريخ وأدعيائه! جبال الجزيرة العربية لا يجب أن تمس أو تهدم أو تهدد بالهدم بحجة أو بأخرى ولا يجب أن ندع الزحف العمراني يقوض شموخها، لأنها شاهدة على الحضارة والإرث البشري قاطبة، وعلى سبيل المثال جبل الجودي، وهو كما يقول الإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير، في كتابه البداية والنهاية: إنه "جبل عظيم شرقي الجزيرة العربية، قرب قرية يقال لها "قرية الثمانين"، لسكنى الذين نجوا في سفينة نوح - عليه السلام - فيما ذكره غير واحد من المفسرين". كما أكده الإمام أبو الفوز البغدادي في كتابه سبائك الذهب لمعرفة أنساب العرب. وجبل شدا والذي يعانق السحاب بقمته المرتفعة فيعتم بالضباب طيلة العام، ما جعله أرضاً خصبة للغابات والحشائش كاليانسون والعثرب والنشار والذي يمتصه النحل مكوناً ينابيع من العسل التي تنسل من بين الأشجار، والكادي، والريحان، والبعيثران، والخروع، والورد البلدي، هو الجبل الذي صلى به سيدنا إبراهيم عليه السلام، وبذلك صُنف أنه أعلى مصلى في العالم من قبل الباحثين وعلماء الجيولوجيا حيث يبلغ ارتفاعه ألفي وأربع مئة متر فوق سطح البحر. وأكدوا أيضاً أن من غرائب هذا الجبل أنه مخزن لمادة الياقوت الأحمر. ثم جبل شمّر أو جبل طي أو جبل أجا وسلمى، ويتسم أهل هذه البلد بسمات عريقة من شيم العرب ومن البسالة والشجاعة ما دونته كتب التاريخ والتراث فأصبحت علامة حضارية في لوح التاريخ؛ بالإضافة إلى جبل طويق الذي تحدث عنه العلماء بأنه أحد أهم المعالم الجغرافية في الجزيرة العربية، وأحد أبرز المعالم الطوبوغرافية التي يمكن رؤيتها من الفضاء الخارجي. أما جبال مكةالمكرمة فهي شيء آخر، فلا يتملك الزائر نفسه عن البكاء عند أول نظرة لها، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه درجوا على ذراها، مثل جبل النور وثور وأبي قبيس، ومما يترك الحسرة في القلب أن تدك بعض هذه الجبال أو يغزوها العمران، فهي منارات للحضارة وللتاريخ وقناديل تنير جبين التاريخ الإسلامي وحضارته. جبل أبي قبيس والذي يمثل هضبة بالقرب من الصفا بجانب المسجد الحرام في مكةالمكرمة، والذي يقال إن آدم عليه السلام دفن به، يقول الإمام أبو الفوز البغدادي وأكده ابن كثير أن آدم دفن به فيقول: "دفن آدم في جبل أبي قبيس بمكةالمكرمة في غار، فلم يزل في ذلك الغار حتى كان زمن الغرق فاستخرجه نوح عليه السلام وحمله في تابوت معه في السفينة، فلما خرج منها ردَّه في مكانه، كما أنه يستمد أهميته من حادثة شق القمر وأن تسميته بهذا الاسم ترجع إلى أن شهاباً نزل به فأبصره آدم عليه السلام فاستلهم النار" وأكد ذلك المنذر بن هشام في كتابه السيرة، وقال الهمداني في كتابه، وكذلك للإمام تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي، (775 - 832 ه) في كتاب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين أنه أول جبل وضع على الأرض فسمي بأبي الجبال أو شيخ الجبال!، وقال عمرو بن حسان عن قِدَمه: ألا يا أم قيس لا تلومي وأبقي إنما ذا الناس هام أجدك هل رأيت أبا قبيس أطال حياته النعم الركام وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام فهل نقدر قيمة هذا التراب النفيس، ونحميه من كتل خرسانية، لا يجب أن تجثم على صدر مهد التاريخ. إن كل ما تقدمه دولتنا الحبيبة وقادتنا العظام من خدمات وتوسعات وتشييد ذي طابع إسلامي يخلد مع الزمان ويخلد أفعالهم المجيدة، لكن جبال مكة في خطر من هذا الزحف العمراني الذي لا يجب أن يطغى على أقدس بقعة على وجه الأرض.