في كثير من الأحيان نتناسى أننا عرب، وأن الحضارة العربية هي تاريخنا! والذي يؤرخ لها إلى حوالي 5000 عام ق.م فحسب، بل يمتد إلى ما هو أعمق بكثير؛ فأضحى مرتبطا بتجمع الشعوب وتكوينها فى شكل جماعات وقبائل، هذا التجمع الذي يفرز من الاختراعات والنظم ما يحقق لشعب ما سمة الحضارة، على أن حضارات الأمم تكتسب خصائصها ومظاهرها عبر العصور المتعاقبة عليها. يذكر بعض المؤرخين أن الدولة الحمورابية من العرب البائدة. أما العرب العاربة: فيشكلون الطبقة الثانية، فهم من ولد قحطان بن هود والذي سمي (عابر)، وتتعدد فصائلهم وتشعبهم في الأرض، وقد تعرضت للإغارة عليها من العمالقة، فانقرضت هذه الطبقة من العالم ولهذا فإن معظم المستشرقين والباحثين العرب قد أبدى بعضهم بعض القصور لفهمهم حضارة هذه المنطقة؛ والبعض الآخر أسهم في تسليط الضوء على تاريخ حضارتها؛ لأنها شديدة التوغل إن جاز التعبير فهي حضارة العرب وليس أبناء هذه المنطقة. يقول رالف لينتون في دراسة قامت بها مؤسسة فرانكلين: "مازالت معلوماتنا حتى الوقت الراهن في هذه الناحية محصورة في نطاق ضيق. ولكن بالرغم من ذلك فإن هذه المنطقة جزء مما ينطبق عليه بحق اسم حضارة الشرق الأزلي أو الشرق الموغل في القدم" فإذا ما رجعنا إلى تأريخ حضارة إلى ما قبل 5000 عام ق.م. كما امتد إلى ما هو أعمق بكثير؛ سنجد أنه أضحى مرتبطا بتجمع شعوب هذه المنطقة وتكوينها فى شكل جماعات وقبائل، هذا بطبيعة الحال أفرز من الاختراعات والنظم ما يحقق لشعب ما سمة الحضارة، على أن حضارات الأمم تكتسب خصائصها ومظاهرها عبر العصور المتعاقبة عليها. ولهذا فإن معظم المستشرقين والباحثين قد أبدى بعضهم بعض القصور لفهمهم لحضارة هذه المنطقة أو قل (لغرض في نفس يعقوب)؛ والبعض الآخر أفادها بتسليط الضوء على تاريخ حضارتها؛ لأنها شديدة التوغل بكل تأكيد. وبطبيعة الحال فالتكوين البشري يرتبط بحياة سيدنا آدم عليه السلام، وإذا كانت الحضارة تقاس بالبناء والاستقرار، فإن سيدنا آدم هو أول من بنى البيت في مكة، كما أن كتب التاريخ القديم ومنها كتاب الذهبي وابن كثير وغير ذلك من المخطوطات الأثرية تثبت أن قبره عليه السلام في جبل أبو قبيس في مكة وأن قبر السيدة حواء أم البشر في جدة ثم تتابع نسلهما من بعدهما حتى خرجوا إلى أصقاع المعمورة! وإذا ما كانت الزراعة والصناعة هما المعيارين الآخرين لهذا القياس، فقد ذكر المؤرخون ومنهم ابن كثير والقرطبي أن أول من زرع على هذه الأرض هو سيدنا آدم عليه السلام مستندا إلى حديث للرسول صلى الله عليه وسلم حينما أتاه جبريل بسبع حبات من الحنطة فزرع. أما الدراسات العلمية ومنها دراسة مؤسسة فرانكلين فثبت أن أول نول أو محراث صنع في جنوب غرب آسيا على وجه التحديد قبل 5000 عام ق.م ويطلق على منطقة جنوب غرب آسيا اسم حضارة العالم القديم. ويؤرخ لها بأنها أولى الحضارات في العالم فيقول الدكتور "رالف لينتون" في كتابه "شجرة الحضارة: "إن أهم مركز لتدجين النبات واستئناس الحيوان في بلاد العالم القديم هي تلك المنطقة الواقعة في جنوب غرب آسيا.. ومن العبث في الوقت الحاضر أن نحاول البحث عن أصل المكان الذي تم فيه تدجين النباتات المختلفة واستئناس بعض حيواناتها على وجه التحديد وكل ما نستطيع أن نقوله هو أنه حوالي عام 5000 ق.م. وكانت نظم حياة القرية منتشرة في معظم أرجاء هذه المنطقة وأن قبائل آنذاك متباينة، كانت تشترك في اتباع تقليد واحد، وقد تستخدم القبائل المختلفة الزخرفة، أو أوانيها الفخارية، وتبني منازلها، بطرق تختلف عن بعضها اختلافاً بسيطاً، ولكن أوجه التشابه بينها كانت تغطي على أوجه الخلاف". وبهذا تؤكد الدراسة ما كانت عليه الجزيرة العربية من توغل في عمق التاريخ الحضاري بالرغم من تقدمه بحقب كبيرة عما وصل إليه الباحثون والمنقبون في العصر الحديث؛ إلا أنه يتحدث بكل ثقة عن معطيات حضارية موغلة في القدم: "ولا يعادل صعوبة معرفة الأماكن الحقيقية التي نشأت منها النباتات والحيوانات المختلفة في هذه المنطقة الا معرفة الأزمنة، على وجه التحديد التي ظهرت فيها بعض المظاهر الحضارية التي كونت مع بعضها البعض صرح الحضارة في منطقة جنوب غرب آسيا، والتي انتشرت في جميع أرجاء البلاد، وقد تبع تطور انتاج الغذاء في هذه المنطقة تقدم حضاري سريع لدرجة أنه يصعب علينا أن نعرف بوضوح وعلى وجه التأكيد محتويات أي طبقة من الطبقات التي تدل على تتابع العصور الزمنية في المناطق الأثرية" ولذا فهذه المنطقة هي مهد الحضارة الإنسانية وبجذور عتيقة لمنابتها، فلم تكن مجرد تدجين نباتات أو استئناس حيوان فحسب، وإنما كانت مدرجاً للاختراعات فيقول سالف الذكر: "لا يمكننا أبداً أن نجزم متى صنعت أول عجلة، أو متى صنع أول محراث أو نول، أو متى صهر أول معدن، أو متى كتب أول نقش، لكننا نعلم فقط أن كل هذه الاختراعات التى غيرت مجرى الحضارة في العالم قد نشأت فى بلاد العالم القديم، وأنه يمكن تتبعها إلى هذه المنطقة؛ وأن ذلك قد تم بين سنتي 5000 و3500ق.م". وقد ظهرت حضارة العصر النيوليتي ثم عصر البرونز ثم عصر الحديد في تقدم الحضارة ويمكن تطبيقها على المناطق التي تأثرت بحضارات منطقة جنوب غرب آسيا. بل ربما امتد تاريخها أكثر عمقا وتوغلا في عصور ما قبل التاريخ، فقد تمت اكتشافات تنبئ بتاريخ قديم لتؤكد ما ذهب إليه لينتون بالرغم من زمن ليس بقليل على ما ذكره في كتابه وعلى سبيل المثال اكتشاف حضارة العُبيد. وفترة العبيد (5300-4000 ق.م) وهذه الحضارة التي تم اكتشافها من قبل فريق التنقيب الغربيين؛ أشير إليه بأنه كان فترة ما قبل التاريخ وتخص الشرق الأدنى مثل تل العُبَيِّد واسمه فخار العصر الحجري الحديث العائد لفترة ما قبل التاريخ؛ ومنح اسمه أيضا لحضارة العصر الحجري النحاسي التي تمثل أولى المستوطنات في السهل الرسوبي لجنوب بلاد ما بين النهرين والخليج العربي ووسط الجزيرة العربية وشرقها. ثقافة العُبيد بدأت منذ حوالي 5300 ق.م واستمرت حتى بداية فترة أوروك 4000 ق.م. إن أغلب المكتشفات كانت لصناعة المجوهرات والأواني الفخارية.. وشهدت فترة العُبَيِّد اختراع عجلة الفخار وبداية العصر النحاسي كما اتسمت بمستوطنات قروية كبيرة وبيوت مستطيلة الشكل ذات غرف عديدة مصنوعة من الطين المشوي (آجر) مع ظهور أول المعابد العامة وفق هندسة معمارية متشابهة.. كما تظهر السجلات الأثرية أن فترة العُبيِّد وصلت إلى نهاية مفاجئة في الخليج العربي وشبه جزيرة عمان في عام 3800 قبل الميلاد. وقد اختلف الكتاب والمؤرخون في نطق اسم هدذه الحضارة، إلا أن المتحف الوطني قد حسم الخلاف؛ "فقد اعتاد بعض المؤرخين كتابة اسمها ب "العبيد" إلا أن متحف كنوز المملكة العربية للآثار - المتحف الوطني بالمملكة العربية السعودية - قد صحح المسمى بكتابته بهذا الشكل(العُبَيْد)" أما حضارة (الدَّلمون) فقد تم اكتشافها في أنحاء متفرقة من الجزيرة العربية. وقد اعتنى عالم الآثار والباحث الأميركي "بيتر كورنوول" بهذا الخصوص في الخمسينيات من القرن الماضي باكتشاف حضارة (الدّلَمون) كما أوردها في أطروحته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة هارفرد بعنوان (الدلمون). وقد تأخر اكتشاف هذه الحضارة في هذه المنطقة وتوالى عليها المنقبون الدنماركيون والأميركان وغيرهما. فالحصول على دليل لوجود مستوطنة كان عمرها أربعة آلاف عام أو أكثر أمر ليس باليسير، فقد تم ذلك من خلال الحفريات التي أجريت من خلال العثور على أدوات كان يستخدمها الإنسان في ذلك الوقت كالأختام ومتاع القبور ومن خلال أنماط العمارة. ولعل تحليل بقايا العظام والهياكل العظمية يحدد عمر الموتى والمواقع نفسها. وبذلك فإن موقع قلعة البحرين ما هو إلا أحد المواقع المهمة التي جرى التنقيب فيها من أجل الكشف عن حضارة (دلمون) بجانب موقعين آخرين مهمين هما موقع باربار وسار. لقد أثار هذا الكم الهائل من المدافن التَّلية في البحرين - والتي يقدر عددها بما يتراوح ما بين 100-150 ألف تل - اهتمام الباحثين الذين توصلوا إلى نتيجة مهمة مفادها وجود أكبر مقبرة في فترة ما قبل التاريخ وما صاحبتها من حضارة دلمون. فهذا الفضاء الشاسع من المدافن وطريقة بنائها لابد أنه كان تعبيرا عن ممارسات طقوسية وعقائدية سائدة آنذاك كما كانت جزءا من ثقافة حضارة إنسانية سالفة.. فقد كان هناك اعتقاد سائد بأن جزيرة البحرين كانت تعتبر أرضا مقدسة في نظر الدلمونيين لذلك فضلوا جلب موتاهم ليدفنوا فيها من البلاد المجاورة. وتم التأكيد على وجود قبور تليِّة على الساحل الشرقي للجزيرة العربية في منطقة الأحساء، الأمر الذي يدل على أن حضارة دلمون كانت ممتدة على طول الساحل المعروف؛ وبتوالي العصور على هذه المنطقة من الجزيرة العربية يتبين لنا تتابع العصور، بأزمنة مختلفة، وتمر هذه الفترة الطويلة بالعصور الحجرية ثم بفترة العُبَيْد -الألف الخامس قبل الميلاد- ثم بفترة دلمون ثم فترة الممالك العربية المبكرة، ثم الممالك العربية الوسيطة والمتأخرة ثم فترة العهد النبوي ثم فترة الدولة الأموية والعباسية والعصر الإسلامي الوسيط والمتأخر. ولا يعادل صعوبة معرفة الأماكن الحقيقية التى تجمعت فيها شعوب هذه المنطقة حول النباتات والحيوانات المختلفة إلا معرفة الأزمنة على وجه التحديد التي ظهرت فيها المظاهر الحضارية والتي كونت مع بعضها البعض صرح الحضارة فى منطقة جنوب غرب آسيا وشمال الجزيرة العربية وشرقها وغربها ووسطها، حسب مواقع هذه الحضارات التي تواجدت على الأرض.. ذلك لأن الأزمنة في تلك الفترة - فجر ما قبل التاريخ - نادراً ما تخضع للتدوين، والحديث عنها أشبه بالحديث عن عصور طبقات الأرض. أما ما يعرضه المتحف الوطني في المملكة العربية السعودية وفي قاعته الخامسة من آثار فهو ما يؤكد هذا التاريخ حيث يشاهده الزائر في هذه القاعة نموذجاً كبيرأً لسور تيماء بُني في هذا الموقع بحجارته الطبيعية التي نقلت من السور نفسه. أما الألواح الصخرية التي وجدت في موقع (خُبة التماثيل) بمنطقة تبوك، فهي من أقدم الآثار التاريخية المعروفة في شبه الجزيرة العربية، ويعود تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، ويصل ارتفاع بعض هذه الألواح إلى أربعة أمتار. وتشير الرموز والنقوش القديمة التي وجدت عليها إلى تعاقب الحضارات التي سادت في تلك المنطقة نظراً إلى التوافق الزمني بين فترة فجر التاريخ ونشأة الكتابة في العالم القديم؛ كما عرض المتحف الوطني في هذا الموقع تفرع شجرة الكتابة منذ بداياتها الأولى عام 3200 قبل الميلاد حتى بداية ظهور الكتابة العربية المبكرة بحلول عام 1000 قبل الميلاد. وقد ورد فى العديد من المصادر أن الجزيرة العربية تنحدر من نسل آدم إذ قطن آدم - عليه السلام - مكةالمكرمة؛ وشيد البيت الحرام كما ذكر سمير عبدالرازق، وأبو الفوز البغدادي وابن كثير والقرطبي والذهبي وغيرهم، إلا أن سمير عبدالرازق يضيف إلى ذلك فيقول:"إن العرب تنحدر من الشعوب السامية، وبطبيعة الحال، انحدرت من سام بن نوح، والذي كان على هذه الأرض قبل تشتت الشعوب كما سنناقشه فيما بعد. هذه الشعوب يقسمها المؤرخون إلى (الأحباش والفينيقين والبابليين) ثم ينحدر بدوره إلى أنه ينقسم إلى طبقات ثلاث "بائدة، عاربة، مستعربة" والعرب البائدة هم العرب الخلص الأولون وقد كانوا شعوبا وقبائل كثيرة وهم ولد آرم بن سام بن نوح وكان مقرهم صنعاء، وملكوا الشام والحجاز وقد ضاعت وانقرضت قبائلهم، مثل (عاد) التي كانت تسكن الأحقاف، و(ثمود) التي كانت تسكن مدائن صالح، قرب خيبر، وطسم وجديس في اليمامة والعمالقة بالحجاز. بينما نجد محمد أمين السويدي يؤرخ للعرب بأنهم تحدروا من نسل سام ومن نسل عابر والذي أكد أنه النبي هود عليه السلام كما حدد (ويلفريد ثسغنر) موقع قبره فيها. ويذكر بعض المؤرخين أن الدولة الحمورابية من العرب البائدة. أما العرب العاربة: فيشكلون الطبقة الثانية، فهم من ولد قحطان بن هود والذي سمي (عابر)، وتتعدد فصائلهم وتشعبهم في الأرض، وقد تعرضت للإغارة عليها من العمالقة، فانقرضت هذه الطبقة من العالم. ولا يتسع المقال للحديث عن الحضارة العربية في هذه المنطقة من ملوك وممالك وثقافات وعمران وعلوم وفلك وهندسة وصناعة وكل صنوف المعرفة مما تشكلت عليه الشخصية العربية دونتها في دراسة موسوعية أجريتها (عبقرية الإنسان) والتي توضح أنها الجين الأول للبشرية رغما عن المداهنين والمسفهين لها!