أين أهبط آدم على الأرض ؟ سؤال شغل المؤرخين وعلماء الآثار لسنين طوال. ولم يتوصل أحد إلى نتائج علمية حقيقية حول هذا الموضوع. الهُبوط (بضم الهاء) النزول، و(بفتحها) موضع النزول. قال المفضل: الهبوط الخروج من البلدة، وهو أيضاً دخولها، فهو من الأضداد. وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول، كان الدخول إلى البلدة لسكانها نزولاً بها، فصار هبوطاً. بعض العلماء قالوا: إن الهبوط غير النزول. فالنزول من السماء إلى الأرض، أما الهبوط فيكون من مكان عالٍ إلى مكان منخفض في الأرض. ورد فعل هبط وتصريفه ثماني مرات في القرآن الكريم، منها ما يتعلق بالنبي آدم، مثل قوله تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) وقوله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) وقوله تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). أما ما جاء بمعنى الدخول، فقد قال تعالى: (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ). يقول معظم علماء الدين: إن الإنسان الأول هو آدم، ويلقب بأبي البشر، وإليه يُنسبون، ولكنهم اختلفوا على أمور عديدة، منها مكان الجنة التي كان فيها آدم، أهي في السماء أم في الأرض؟ وقد خالف المعتزلة والقدرية باقي المذاهب، فقالوا: إنها جنة من جنات الدنيا لوقوع التكليف، ووقوع العصيان من آدم فيها، وهذا لا يقع في جنة المأوى. ولكن الاختلاف الأكبر في الحقيقة بين علماء الديانة اليهودية والمسيحية، والعلماء المسلمين بعضهم بين بعض، كان حول مكان وموقع هبوط آدم على الأرض. الأزرقي في كتابه (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) خصّص باباً كاملاً بعنوان (باب ذكر هبوط آدم عليه السلام إلى الأرض وبنائه الكعبة وحجّه وطوافه بالبيت) قال فيه: «لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض من الجنة، كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك في رعدته...وطويت له الأرض حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام...فكان أول من أسس البيت وصلى فيه...فعزّاه الله سبحانه بخيمة من خيام الجنة، ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة... وحرّم الله تعالى على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم عليه السلام...وإن آدم عليه السلام كان إذا أراد أن يلقاها لِيُلمَّ بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها في الحل». الطبري في (تاريخه) خصّص فصلاً كاملاً بعنوان (القول في الموضع الذي أهبط آدم وحواء إليه من الأرض). إذ نقل أقوال قتادة، وابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وابن إسحاق، بأن آدم أهبط في الهند. واختلفوا في اسم الجبل الذي أهبط عليه، فمنهم من قال: إنه جبل بوذ، ومنهم من قال: إنه جبل واسم، وهو الجبل الذي قال ابن عباس: إن الجبل الذي أهبط عليه آدم من أقرب جبال الأرض إلى السماء، وبأن آدم مات عليه. ومكان موت ودفن آدم أيضاً اختلف العلماء في موضعه، إذ تضاربت الروايات مع رواية ابن عباس، الذي قال بأن آدم u دفن في الهند، بينما غيره قالوا: إنه دفن في مكة في غار أبي قبيس، وأنه نقل أخيراً إلى بيت المقدس. ابن كثير في (قصص الأنبياء) يقول: «أهبط آدم، عليه السلام، إلى أرض يقال لها (دحنا) بين مكة والطائف. وعن الحسن قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميان، من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان. رواه ابن أبي حاتم أيضاً. وقال السدي: نزل آدم بالهند ونزل معه بالحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك. وعن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. رواه ابن أبي حاتم أيضاً». والكثير من المؤرخين أوردوا أن جبل عرفة سمي بهذا الاسم، لأن آدم u تعارف على حواء عليه. وبعض المصادر التاريخية أوردت أن حواء دفنت في مدينة جدة. من الأمور التي اختلف فيها العلماء أيضاً كلمة (جميعاً) في القرآن الكريم، فابن عباس قال: إنهم آدم u وحواء وإبليس والحية. ومجاهد قال: إنهم آدم وذريته، وإبليس وذريته. من الأقوال عن مكان هبوط آدم u أنه أهبط على جزيرة سرنديب (سيرلانكا حالياً). اليهود حسب (سفر التكوين) قالوا: إن آدم u هبط في موقع قريب من العراق. وهناك من قال: إن الإله أرسل آدم (أتوم) بصحبة حواء (إيزيس) وابنها قابيل (حورس)، وبصحبتهم إبليس (ست) لمحاولة إغرائهم للكشف عن مدى تمسكهم بتعاليم السماء، إلى أرض مصر. وقد استند أصحاب هذا القول إلى أن الشفرة الجينية الأقرب إلى وجود أول إنسان على وجه الأرض تطابق الشفرة الجينية لبعض قبائل النوبة. وأن الأبحاث الجيولوجية أثبتت أن نهر النيل هو أقدم الأنهار على وجه الكرة الأرضية، والذي قد شق مجراه منذ أكثر من 50 ألف سنة. واستندوا أيضاً إلى النقوش الصخرية التي رسمها الفراعنة توصف شكل الجنة وسفينة الروح والبرزخ والأنهار الأربعة في الجنة. وهناك نظرية قال بها عالم الآثار الإنجليزي، دافيد رول، في كتابه (أسطورة تكوين الحضارة)، محاولة منه لإثبات أحداث قصة الخلق كما وردت في (سفر التكوين)، مفادها أن جنة عدن التي خرج منها الإنسان الأول يخرج منها أربعة أنهار تقع في واد كبير في شمال غربي إيران في أواسط قارة آسيا، بين إرمينيا وأذربيجان وكردستان. وحدد زمن خلق النبي آدم في الساعة التاسعة من يوم 26 أكتوبر عام 4004 قبل الميلاد. كما أن هناك قولاً بأن مكان هبوط آدم على الأرض كان على روابي القدس، وأن آدم ظل يبكي هناك مائة عام، وسمي المكان الذي كان يبكي فيه حائط المبكى. وأعتقد أن هذا القول خلط بين موسى وآدم، عليهما السلام. من الخلافات التي ظهرت حديثاً بعد الاكتشافات التي حققها علماء المستحثات البشرية قضية تقدير عمر الإنسان على الأرض. فبعضهم قال بأن عمره 7000 عام، وبعضهم قدرها ب 9300 عام، بعد اكتشاف جمجمة وعظام إنسان سمي (كينيويك)، والذي قالوا بأنه يشبه الهنود الأحمر كثيراً. ثم مؤخراً تم اكتشاف عظام بشرية، قدر عمرها ب 18000 عام، في إحدى الجزر النائية في إندونيسيا أطلق عليه اسم أقزام فلوريس. وهناك نظريات علمية حديثة نقضت كليا نظرية دافيد رول بعد الكشف عن الحمض النووي DNA الخاص ببعض العظام البشرية التي اكتشفت في القارة الإفريقية، تحدد عمر الإنسان على الأرض بأكثر من 200 ألف عام. الدكتور عبد الصبور شاهين ألّف كتاباً بعنوان (أبي آدم بين الأسطورة والحقيقة). اعتمد فيه على بعض تفسيرات القرآن الكريم في هذه القضية على المنهج العقلي. فقال: إن الإنسان خُلق على مرحلتين، وأن خلق آدم u لم يكن كخلق البشر. فبرأيه أن البشر خلقت في الأول، ثم عند اكتمال الخواص الإنسانية للبشر وضع العقل في الإنسان. مستنداً إلى قوله تعالى: (فإذا سويته)، أي سويت هذا البشر. أي أن آدم u غير المخلوق الآخر الإنسان الأول كان بدون تسوية. وقال: إن الإنسان الأول كان بلا عقل مثل الحيوان، ثم منّ الله عليه بالعقل في المرحلة الثانية. وبقوله هذا وقف عبد الصبور شاهين موقف الوسط بين علماء الدين، بشتى أديانهم ومذاهبهم، القائلين بأن آدم هو أول إنسان وأول البشر على الأرض، وبين شارلز داروين الذي قال بأن أصل الإنسان قرد بسبب تطابق الجينات. قال تعالى: (قل سيروا فانظروا كيف بدأ الخلق). * باحث في الشؤون الإسلامية