حظيت أسواق النفط منذ مطلع الأسبوع الماضي بحالات من الدعم مما انعكس على مؤشر الأسعار الذي يمرّ إلى الآن بحالة من الاستقرار عند حدود ال 60 دولاراً لخام الإشارة برنت، فعلى الرغم من وجود ضغط الفوائض التي لا تزال بداخل الأسواق النفطية وضعف الطلب الصيني على النفط، إلا أن الاتفاق النفطي الأخير الذي تم من قبل أعضاء منظمة OPEC والمنتجين المستقلين كان له دورٌ كبير في دعم الأسعار والحفاظ عليها ضمن مناطق مستقرة نسبياً، فاتفاقات التعاون في الإنتاج النفطي كانت دوماً الحل الأمثل التي انتهجته سياسة الأوبك نفطياً بقيادة المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة بالتعاون مع المنتجين المستقلين خارج المنظمة وتغليب توازن المصالح الاقتصادية لجميع الأطراف بالأسواق، وللسعودية باعٌ طويل في مجال الحفاظ على توازن أسواق النفط وتحييدها عن مواطن الاختلال التي تضرّ بالأسواق والدول المنتجة والمستهلكة على حدٍ سواء، وتشير المصادر بداخل القطاع النفطي أنه لم يكن هنالك أي تعاون أو تنسيق بين الدول المنتجة للنفط من داخل منظمة OPEC والمنتجين المستقلين من خارجها قبل العام 1998م، حيث إن ما حدث في مارس من ذلك العام كان صدمة لعواصم الدول الكبرى عندما وصل سعر خام برنت ل 11 دولاراً، مما حدا بالرمز النفطي الأول المهندس علي النعيمي إلى البدء في تفعيل التواصل والتنسيق مع الدول الأخرى المنتجة من خارج منظمة الأوبك، لتنطلق بذلك مفاوضات تعدّ الأصعب على الأسواق خلال تلك الفترة، حيث بدأت تلك المفاوضات بحضور الفنزويليين والمكسيكيين بالعاصمة السعودية الرياض في 21-22 مارس 1998م وانفضّت في نهايتها عن قبول جميع الأطراف باتفاق الخفض في معدلات الإنتاج، لتشهد الأسواق النفطية بعد ذلك تطوراً في تعزيز مفهوم التعاون وتشكيل التحالفات النفطية التي أثبتت فعلياً أنها من أقوى الحلول لمعالجة الاختلالات التي تطرأ على الأسواق بين الفترة والأخرى. في الأعوام 2015- 2016 – 2017 – 2018 طغت ثقافة التحالفات النفطية ما بين الدول المنتجة التي تطورّت صورها طيلة سنوات بمبادرة من المملكة العربية السعودية وقائد القطاع النفطي فيها حينذاك المهندس علي النعيمي، ففي بداية الربع الثالث من العام 2015م بدأت أسواق النفط تعاني من ضغط المخزونات التي بلغت وقتها 3 ملايين برميل يومياً، ترافقها ضبابية كبيرة في توقّع مستقبل الأسعار النفطية التي كانت حينها ضمن نطاقات متدنية تدور حول متوسط ال 50 دولاراً للبرميل، ممّا دفع بأصحاب القرار في الشركات النفطية حول العالم للتردد حول المشروعات النفطية التي طالها التأجيل والإلغاء، حيث قدرت الأوساط النفطية قيمة تلك المشروعات ب 200 مليار دولار، وكانت الأسواق الصينية حينها تحظى باهتمام كبير من قبل القطاع النفطي؛ للاستمرار المستمر في زيادة معدل الطلب الصيني على النفط الذي يشكّل 33 % من مجمل الطلب العالمي على النفط، حيث بلغ خلال العام 2015م 11.3 مليون برميل يومياً. وفي ظل كل تلك الضغوط بدأت الأنظار تتجّه نحو منظمة الأوبك بقيادة المملكة العربية السعودية لبحث وإيجاد الحلول اللازمة لأزمة الأسواق النفطية حينها، خصوصاً مع تطوّر الحالة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط عبر انقطاع الإمدادات النفطية من السودان واليمن وسورية، حيث أكدّت المملكة دورها القيادي بأسواق النفط حيث قامت برفع إنتاجها من متوسط 8.3 ملايين برميل يومياً خلال العام 2010م إلى 10.4 ملايين برميل يومياً في يونيو 2015م، وبنهاية العام 2015م تواترت حالات التفاؤل بداخل الأسواق النفطية وذلك بقرب آفاق التوازن في الأسواق نتيجة التوقعات التي تشير إلى تراجع الإمدادات النفطية من خارج منظمة الأوبك بمقدار 300 ألف برميل يومياً، كما علّق مراقبو أسواق النفط آمال التوازن بمنتصف العام 2016م، كما عقدت منظمة الأوبك اجتماعها الوزاري في الرابع من ديسمبر 2015م وسط أجواء من التعقيدات مما صعّب الاجتماع نتيجة المعطيات بداخل الأسواق النفطية حينها، حيث تمخضّ ذلك الاجتماع عن قرار الإبقاء على مستويات الإنتاج وقتها على ما هي عليه. بيدَ أن ما يميز العامين الأخيرة هو نمو مستوى التوافق وتحسّن مستويات التعاون بين الدول المنتجة من خارج منظمة OPEC والدول الأخرى المنتجة من خارجها، وهو الأمر الذي ساهم بشكل فعّال وملحوظ في إبعاد الأسواق النفطية عن أية صدمات أو اختلالات كبيرة في موازين العرض والطلب العالمي، وشهدت الأيام القليلة الماضية بدء تفاعل المنتجين مع اتفاق الخفض النفطي الذي تم في السابع من ديسمبر الحالي حيث أوضح ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي لوسائل الإعلام أن روسيا ستقوم في يناير 2019م بخفض الإنتاج النفطي 50 – 60 ألف برميل يومياً، وذلك ضمن آلية خفض تدريجية، كما أوضحت سلطنة عمان لزبائنها أنها ستقوم بخفض إنتاج الخام 20 % اعتباراً من شهر يناير القادم لمدة ستة أشهر أولية، وكان اتفاق الخفض النفطي الذي تم الاتفاق عليه في ديسمبر الجاري بخفض في الإنتاج النفطي بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً مسبوقاً بالعديد من الجهود والمشاورات الثنائية والمغلقة التي ساهمت في تقريب وجهات النظر بين المنتجين الأعضاء والمستقلين، كما أن النجاحات المتلاحقة التي حققتها اتفاقات الخفض النفطي كانت محفزّة وأرضية صلبة للأنباء التي تناقلتها الأوساط النفطية خلال الأيام الماضية عن عزم منتجي النفط من داخل وخارج OPEC على توقيع اتفاقية تعاون طويلة الأجل، وهو الأمر الذي سيحقق الحفاظ على توازن أسواق النفط لفترات أطول، كذلك عدالة المصالح الاقتصادية لجميع الأطراف من منتجين ومستهلكين، بالإضافة إلى الحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي ضمن مستويات آمنة وتجنبيه صدمات أسواق النفط .