الإنسان ابن بيئته.. هي حقيقة لا ينكرها العلم، ولأن بيئتنا هي بيئة الكرم والضيافة والعادات والتقاليد ذات الطابع العربي الأصيل، فإنها بيئة تهتم بالكرم وتجبرنا على تبني هذا المبدأ بالرغم مما ينطوي عليه ذلك من مخاطر صحية في أحيان كثيرة، خصوصاً لدى أصحاب الأمراض المزمنة، فكثير من الناس تسبب لهم القهوة مشكلات هضمية وأخرى عصبية ومع ذلك تبقى القهوة العربية عماد الكرم وركن العادات والتقاليد، ومع ما يشكله تناول اللحوم الحمراء من مشكلات صحية وبالرغم من نصائح الأطباء الذي يصل للصراخ أحياناً فإن اللحوم الحمراء تبقى العمود الفقري للكرم والضيافة والهيكل الذي تبنى عليه المناسبات المجتمعية المختلفة وستبقى. ولا يكاد يلتقي المفهوم الصحي والحياة الصحية مع المفهوم المجتمعي، لأنه لا يمكن للأطباء أن يقولوا لنا تناولوا ما شئتم من أغذية تضر بصحتكم، ولا يمكن لنا أن نتخلّى عن عادات هي عماد العروبة والهوية، فما الحل في هذا التناقض؟...إن ما يزيد الأمر صعوبة هو ما يقدمه الإعلام من محتوى يشجع على مظاهر الكرم والمبالغة إلى حد الإسراف، وأقول (يشجع على مظاهر الكرم) وليس على الكرم، فالكرم عادة أصيلة لا تكاد تنفصل عن مكوناتنا الجينية، ولكن المظاهر هي ما جد علينا، وما استحدثته وسائل الإعلام، وزاد الطين بلة عندما ظهر الإعلام الجديد وبدأ نشر مقاطع فيها من التفاخر والإسراف ما يقترب من الإسفاف أكثر منه إلى الكرم. ولا يكمن الحل في اللجوء إلى ما تشجع عليه وسائل الإعلام من خلال الإعلانات والترويج المغلف من أطعمة مغلفة ومعلبة وجاهزة وسريعة، فهي أكثر خطراً من الأغذية التقليدية المشبعة باللحوم الحمراء والدهون، لأن الأغذية المحفوظة والوجبات السريعة وما يرافقها من مشروبات غازية هي مليئة بالدهون الثلاثية الضارة والمواد مجهولة المصدر والتي قد يكون فيها وبحسب تخوف العلماء مواد مسرطنة، ولأن الأمر تم تخصيصه وليس على العموم أي أنه تم الإعلان عن بعض الأغذية التي تحوي مواد مسرطنة ولم يتم تعميمه على كل الأغذية المعلبة والجاهزة، ولا ندري عما ستتكشف عنه الدراسات والأبحاث في هذا الشأن، ولكن ما يهمنا هو الدور السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام وبعض السطحيين في نشر بعض الثقافات الخاطئة من إسراف وتفاخر بالأغذية المختلفة والمبالغة في المناسبات الخاصة. إن حل التناقض بين المفهوم الصحي والمفهوم المجتمعي للكرم وبحسب الرأي الطبي يكمن في سياسة الاعتدال، والقيام ببعض الخطوات الوقائية والتي من أهمها الكشف الطبي المنتظم، وممارسة الرياضة بشكل مستمر، والأهم من كل ذلك هو الاعتدال في تناول الأطعمة المختلفة والحرص على تناول الخضراوات والفواكه وشرب الماء بشكل كاف، ويجب أن يتم كل ذلك تحت إشراف طبي، وبالتشاور مع طبيبك، أما فيما يختص بالقهوة العربية فإنك لست مجبراً على تناول (الدلة) بكاملها ففنجان واحد يكفي، كذلك الأمر بالنسبة للشاي، ولا تخجل أو تتردد في أن تطلب من مضيفك أن يكون الشاي بلا سكر، وهو الأمر الذي يفضله الأطباء وهو الابتعاد عن السكر الأبيض، ومع هذه الإجراءات ستبقى البيئة وسيبقى ابنها بصحة وسلامة. * قسم التثقيف الصحي أ. فلاح المنصور *