أسعد كثيراً عندما أجد أن الفن أكثر من كونه تذوقاً جمالياً أو عملاً وظيفياً، فمن خلال دراستي وبحثي في المرونة النفسية للسيدات السعوديات في رحلة النجاح، وجدت أن موضوع المرونة النفسية مرتبط بشكل وثيق ودائم بالفن، حيث نجد أن المتاحف الفنية واللوحات والأعمال الموجودة تحكي العديد من التجارب والتحديات وأن هؤلاء السيدات قد احتوت طفولتهن المركزية وبيئتهن على الفن بأنواعه، وتم التعامل باستمرار في كونه ثقافة مهمة في العائلة والمجتمع الذي ينتمين إليه. وعندما يخبرني أحدهم عن بداياته الفنية أجد كيف كان يواجه التحديات والصعوبات الثقافية والمجتمعية في تقبل اهتمامه واحترافه للفن الذي يعني له الكثير. بينما المجتمع مدرك للاحتياج المهني والاقتصادي الذي يسدده الفن ومنتجاته المتعددة. الممارسات الفنية، والعلاجات بالفن تساهم لحد كبير في بناء صلابة وقوة الشفاء والتكيف لدى الفنان وأيضاً الممارس الذي يتم تفعيل العلاج بالفن معه. حيث إن التعبير الفني هو أحد طرق توصيل القصص دون استخدام كلمات وفي كثير من الحالات سرد القصة يكون بدون التحدث والقيود الأحكام المنطوقة. ويتضح أن هدف الفن ليس مجرد تقديم أمثلة على الصراعات الداخلية للفنان أو الممارس، بل هو في الواقع توفير طريقة لتعزيز قدراتنا الذاتية وتعزز القدرة على التكيف باستمرار. ترى المؤلفة كاثي في بحوثها عن الفن والصحة 2015، بأن الغرض الحقيقي للفن هو تحقيق المرونة النفسية، والتي تعني الصمود والتعافي كما تعرفها بيرل سيدة الأعمال والمدير تنفيذي لشركة التكنولوجيا العالمية في محاضرة لمنتدى النجاح 2017، بأن المرونة النفسية هي القدرة على التكيف، التغلب على العقبات، التعافي والازدهار في رحلة التغيير. لذلك فإن البشرية تعود باستمرار إلى إنتاج الفن كأحد طرق التعويض والتعافي خلال التحديات المادية والعاطفية والروحانية والحياتية التي لا مفر منها بالحياة. بعبارة أخرى، فإن التعبير الفني والعملية الإبداعية هي مظهر حقيقي محفز نحو جودة الحياة، غير مقتصر على التنفيس وعلاج الكبت، والإسقاط، وغيرها من الحيل النفسية. بل هي طريقة إنسانية لتحقيق الذات أكثر من كونها لتفسير المشكلات النفسية. وحيث إن قدرات التعبير الفني ليست هي التي تعزز القدرة على الصمود في أي نشاط فني، ولكنها تتجلى ضمن ممارسة خصائص الفن نفسه، وكذلك أيضاً خلال ديناميكيات العلاقات الفنية. العلاج بالفن يزيد من الوعي وتحقيق جودة الحياة مثل المصابين بالسرطان، والزهايمر، والتحديات الأخرى. وفي ظل ظروف معينة لعرض الأعمال الفنية العظيمة فإن شلالًا كيميائيًا مشابهًا لمشاعر الحب يظهر لدى المريض، وذلك حسب الدراسات الخاصة بالعلاج بالفن حيث إنه موضوع حيوي وملفت حالياً في مجال العلاج الفني، من خلال دمج أسس التحليل النفسي التقليدي مع العلاج التقليدي للحد من المرض. وحسب التاريخ فإنه تم تعليم الديناميكيات النفسية للممارسين للفن وظهر في كتاباتهم عن تعبيرات الفن وتركيزهم على آليات الدفاع النفسي كوصف التعبيرات الفنية التي تم العثور عليها، وذلك في المراحل المبكرة من التطوير الفني حيث ذكر الإسقاط لوصف المحتوى التعبيري الذي يتم إنشاؤه بدون رؤية واعية والتسامي الذي يفسر الظهور للعواطف أو المدركات غير مرغوبة بشكل فني بمنتجات إبداعية فنية مرغوبة كالنحت والرسم والتشكيل. يطبق ذوي الميول الإنسانية والاهتمام السلوكي من الفنانين والممارسين للفن مفهوم الديناميكية النفسية في تعريف المحتوى المرئي والعملية الإبداعية للفن. كما أن تطوير الصفات الحسية المستندة إلى الحواس في التعبير الفني، سواء في الرسم أو التشكيل أو النحت أو التجميع أو البناء أو المصوغات، تدعم بشكل طبيعي القدرة والكفاءة والقوة الشخصية. لذلك صنع الفن هو نشاط كامل للدماغ ولا يقتصر على جزء واحد من الدماغ، وعملية العلاج الفني تستفيد من هيمنة النصف الأيمن من الدماغ في كل من التعبير الإبداعي والتعلق الإيجابي بين المعالج الفني والمريض. يتم البحث عن وسائل التكيف في أوقات الأزمات في القطاعات التكنولوجية والعلمية والاقتصادية. والفنون والثقافة أصبحا مصدراً جديداً لتحقيق ذلك. (ندوة سالزبورغ العالمية في دورة "فن المرونة النفسية: الإبداع والشجاعة والتجديد".) لذلك تمنح الفنون الناس صوتًا ووجهًا لحل المشاكل دون الاضطرار إلى اللجوء للعنف، سواء كان ذلك كوسيلة لإعادة انسجام المجتمعات أو التعبير عن معارضتهم بسلمية. لذا نجد أن الفنانين هم الذين لديهم القدرة على التحليق خلف الكواليس وتخيل كيف يكون مختلفاً وبزاوية جديدة وسط النزاع حيث وجد أن المرونة النفسية أكثر قوة وقيمة من المقاومة. الفنانون هم مبتكرون ثقافيون ولديهم الشجاعة والثبات الذي يجعلهم يحققون باستمرار النجاح مع مواجهة التحدي متجلية باجمل صورة فكر المرونة النفسية. *باحثة في المرونة النفسية والتغير